إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 13 أبريل 2020

كما تأكل النار الهشيم/ مي اليزيدي

القصة المتوجة في مسابقة القصة حول الكورونا بنفطة




*كما تأكل النّار الهشيم*
مي اليزيدي/9 أساسي
إنّ ما ظهر مؤخّرا في كلّ أنحاء العالم ولم تسلم منه بلادنا ضيفٌ ثقيل يسيح بيننا نافثا سمومه من دون أن نسمع له دبيبا يتهدّدنا جميعا بالفتك كأنّ له مع الإنسانيّة ثأر .إنّه فيروس القاتل يصيب كل من يعترضه فلا يسلم منه لا الصغير ولا الكبير ولعلّه يتلذّذ أكثر حين تكون فريسته طاعنا في السّنّ لا تستطيع مناعته رصّ الصّفوف لدفعه خارج الجسم إنّه ربيب الموت قد يأتي سريعا بعد حلوله في الجسد ، وقد يزيد من تلذّذه بألم ضحيّته فيبقيها أيّاما قبل أن يقرّر من تلقاء نفسه أيخرج أم يرسل الرّوح منها .هكذا وقف الطّب والعلم عاجزين أمام هذا الغول الحقير المسمّى كرها بيننا "كورونا" ، فتك بالآلاف المؤلّفة ولم يشبع ووقفت الدّول العظمى كالصّين وأمريكا وفرنسا و إيطاليا عاجزة على صدّه ولم تجد له سلاحا مضادا وإنّما اكتفت ببعض التّوجيهات و النصائح الوقائية التي تدفع بشعوبها إلى تجنّب طريقه المخضّب بلون الموت ورائحته داعية كلّ البشريّة إلى تعديل مسار حياتها على مقاس ما يضمن لها السّلامة ، فتوقفت الأعمال وتعطّلت حركة التّجارة والنقّل والسّفر وأُفرغت الشّوارع من عابريها والمقاهي من روّادها بل هدّد هذا الوحش بجبروته الخسيس دور العبادة فلا تقام صلاة ولا قدّاس وكأن عجلة التّاريخ قد توقـّـفت عن الدّوران حتّى يشيح هذا الملعون بوجهه القميء عن الأرض وما عليها .
بدأت قصّتنا مع عدوّنا اللّامرئي حين تدافعت جموع العاملين بالخارج على المطارات والموانئ يدفعون عن أنفسهم الخطر بالارتماء في أحضان وطنهم الأمّ و يا ليتهم تحصّنوا بديارهم عملا بسنّة نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلّم زمن حلول الوباء بمنطقة. حينها اختلط علينا الأمر فما عدنا قادرين على التّمييز بين السليم والعليل منهم لذلك كان لزاما على كلّ عائد إلى بلاده التزام الحجر الصّحي . وكان من بين العائدين حازم ابن جارنا محمود حلّ بيننا ذات صباح فرحّب به الجميع و لاسيّما أفراد عائلته دون أيّ مبالغة في الاحتكاك به غير أنّه لم يبال أن يكون مصابا بهذا الوباء مدّعيا عدم ظهور الأعراض عليه ,.فلم يع أنّه معنيّا بالبقاء في المنزل أو تجنّب الاقتراب من النّاس ، همّه الوحيد الخروج مع الأقران و التّرفيه عن نفسه . لكنّ أهل حيّنا تجنّبوه خوفا ووقاية و تقدم بعضهم لنصحه بأن يلتزم الحجر الصحّيّ و أن يقوم بالإجراءات اللاّزمة نظرا لقدومه من بلاد غزاها وباء كورونا . ولكنّه كان مستهترا غير واع بمدى خطورة سلوكه ، فازداد خوف الجميع من وقوع كارثة قد لا نعرف لها نهاية إلاّ بخسارة كثير ممّن نحبّ . كيف له أن يرفض الحجر وهو وقاية له ولعائلته ولنا جميعا . يا لرعونة هذا السّلوك الهمجيّ ربّما قدّر أنّ في ذلك قمع لحرّيته واعتداء على حقّه في التنقّل . ولا شكّ أنّه بذلك يتناسى أنّ حقوقه لا تستقيم إلاّ في ضوء التزامه بواجباته . هكذا فهمت الأمر فقرّرت التّدخل عسى أن يجد منّي أنا الطفلة الصّغيرة ما لم يجده من سكّان الحيّ وأهله من صرامة يخالطها سداد في الرّأي . توجّهت له وأوقفته كالمبتسمة وفي دواخلها نار تضطرم . همّ بمصافحتي فقد تعّودت منه ذلك مع كلّ عودة له . ولكنّني تراجعت إلى الخلف معتذرة ففهم خوفي وابتسم قائلا : هل انطلت عليك أنت كذلك بدعة كورونا !؟ قلت : كيف حالك عمّاه عساك بخير، قال بخير والحمد لله إن تركني الجميع على راحتي فلن يصيبني إلاّ ما قدّره لي ربّي . قلت ونعم بالله وهل ترانا نشكّ في قضاء الله إنما هي الحاجة تدعونا إلى الأخذ بأسباب التّوقّي . ألا ترى بأمّ عينك آلاف الموتى حصدهم هذا المارد الذي أراك تسخر منه ، إن كان قد غرّك شبابك وقوّة مناعتك فلتعلم أنّك ربّما تكون ناقلا للمرض وحينها تأكّد أنّ أرواحا ربّما تزهق بسببك أوّلها أمّك التي أسرعت لاحتضانها دون اكتراث وقد عرفنا جميعا قائمة الأمراض التي تشتكي منها وخاصّة المزمنة فإنّ كان دافعها لاحتضانك حبّها لك وطيبتها مع قلّة وعيها فإنّ دافعك في ذلك تهوّرك وجهلك بعواقب الأمور . أيّ هديّة هذه التي حملتها إلى أهلك ؟ ألم يكن حريّا بك أن تتجنّب الجميع حتّى يأذن لك الله فتصفو لك الأيّام بعد أسبوعين حينها فقط يزداد تقديرنا لك فتكون بيننا القدوة والمعلّم لقيمة الصّبر عند الشّدائد . عمّاه لسنا عاجزين على فرض الحجر عليك بالقوّة فالسّلطة متكفّلة بذلك إذا أعلمناها ولكنّنا نريد أن نرى حبّك لنا جميعا في هذا السّلوك فماذا تراك تقول؟ وما تراك فاعلا؟
صمت حازم برهة من الزّمن خلتها دهرا ثمّ قال : أإلى هذا الحدّ تقدّرون خطورة الوضع . ربّما دفعني شوقي إليكم إلى تجاهل هذه الحقيقة ، بل لعلّني بلغت أقاصي الجهل فشاء القدر أن يهبني العلم منك أيتها الفتاة الجميلة . قد سمعت ما قلت وأرجو أن لا يطال الضرر أحدكم بسببي هـــا أنا عائد إلى حجرتي وتأكّدي أنّني لم أقترب من الكثيرين فلا خوف عليكم منّي بإذن اللّه .
على هذا افترقنا ولكن وقع مالم يكن في الحسبان فقد ثبت مرض حازم وكذلك والدته التي نقل إليها العدوى . أمّا هو فلا يزال ملازما حجرته لا نكاد نسمع إلّا أنينه وأمّا أمّه الطيّبة فقد ماتت دون أن تترك وراءها قبرا يُزار. و الكارثة قد حلّت فالوباء قد استفحل وساد كلّ أرجاء المدينة بسرعة اللّهب في الهشيم فأصاب آباءنا و أمهاتنا , ففي كلّ حيّ تسمع العويل و صياح الفزع .وسيّارات الإسعاف لم تكفّ و لم يهدأ نواحها معلنا وقوع مصيبة جديدة ، هـلع و اكتآب و أحزان تدمي القلب فـيااااااا رب رحـمااااك و لطفك بنا. .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق