إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 15 مايو 2011

الوضع الصحّي بنفطة : اشتعال الضوء الأحمر



الوضع الصحّي بنفطة : اشتعال الضوء الأحمر

يعاني قطاع الصحّة العموميّة بمدينة نفطة منذ ما قبل ثورة الكرامة من مشاكل هيكليّة لا حصر لها انعكست سلبا على أداء المؤسسات الصحيّة بها ممّا عمّق من مشاعر الغبن و التهميش لدى المواطنين خاصّة بعد انقراض عديد الاختصاصات الطبيّة التي كانت متوفّرة سابقا و صار تنقّلهم إلى المستشفى الجهوي بتوزر يرهقهم و يعسّر تلقّيهم للعلاجات الضروريّة في ظروف لائقة حيث تتباعد مواعيد العيادات لمدد تصل إلى الشهرين و أكثر في بعض الاختصاصات مثل طبّ العيون ، و ممّا زاد من تدهور الأوضاع أنّ المستشفى الجهوي بتوزر نفسه لم يعد يسدّ حاجة الجهة بما يشهده من قلّة في الإطار و نقص في المعدّات و الأجهزة و في هذا السياق و محاولة منها للتحسيس بخطورة الوضع الصحّي بمدينة نفطة دعت النقابة الأساسية للصحّة الهياكل النقابيّة المحليّة لتدارس هذا الملف الشائك و الحسّاس و العمل على تعبئة كلّ الجهود للنهوض به و تحسينه و ذلك برسم خطّة عمليّة تشارك فيها كلّ فعاليات المجتمع المدني لتوحيد الجهود المطالبة بإنقاذ الوضع الصحّي و ترشيد أساليب إصلاحه لتكون فعّالة و منظّمة و مسؤولة .
و مما عرض في الاجتماع مسائل مستعجلة تدعو الضرورة الملحّة إلى حلّها في الإبّان و يتصدّر ذلك شغور خطّتين لطبيبين انتقلا للعمل بالخليج و إشراف ثالث على التقاعد ممّا أحدث إخلالا في عيادات الطبّ العام ينذر بحدوث كارثة صحيّة إن لم يقع سدّ هذا الشغور في أقرب الآجال.
أمّا الموضوع المستعجل الثاني فيتعلّق بميزانيّة المستشفى التي تشكو عجزا فادحا حيث من المفترض أن تكون موارد المستشفى الذاتية في حدود 110 ألف دينار فيما لم تحقق إيرادات المستشفى إلى غاية 30/04/2011 إلاّ 30 ألف دينار علما و أنّ الميزانيّة الجمليّة للمستشفى تبلغ 455 ألف دينار لا تكاد تكفي متطلبات الاستشفاء بأنواعها ؟ مما ينعكس على توفير الأدوية و نقل المرضى و بلغة الأرقام فإنّ مصاريف الأدوية المفترضة 240 ألف دينار فيما لم يوفّر المستشفى إلاّ 183 ألف دينار مع الأخذ بعين الاعتبار الارتفاع المطّرد في أسعار الأدوية ؟
و للتذكير فإنّ التسبب الرئيسي في عجز الميزانيّة هو قسم الجراحة الذي لم ترصد له ميزانيّة خاصّة به عند إحداثه وهو الذي يستنزف من ميزانيّة المستشفى 12 ألف دينار بعنوان منح حراسة و 15 ألف دينار كأدوية و لوازم ، هذا و قد تمّ في المدّة الأخيرة نقل جرّاح مستشفى نفطة للمناوبة بالمستشفى الجهوي بتوزر مما أحدث اضطرابا في هذا القسم
كما يشكو المستشفى المحلي بنفطة من تدهور في أسطول سيارات الإسعاف خاصّة تلك العاملة على الخطوط البعيدة و يتردّد أنّ ما يصرف على إصلاح هذه السيّارات كفيل باقتناء أخرى جديدة ؟؟
و بالحديث عن تصوّر الحلول وآفاق تطوير المستشفى ذكر الحضور عدّة معطيات منها أنّ 20 مستشفى محلّي تمتّعوا بخدمات الإعلاميّة و الفوترة لاسترجاع مصاريف الإقامة و قد جهّز المستشفى المحلّي بنفطة بالإعلاميّة و طولب بمبلغ 17 ألف دينار لاستكمال تركيز هذه الشبكة وهو ما يعجز عنه المستشفى و الدعوة ملحّة لإعفائه من هذه الدفوعات كما أنّ هذا المشروع لم يستكمل و بقي إلى اليوم معلّقا ، كما ذكر أنّ مخبر مستشفى نفطة قد اختير سابقا من طرف وزارة الصحّة و المنظمة العالميّة للصحّة كمخبر نموذجي من ضمن 15 مخبرا آخر غير أنّ هذا البرنامج قد توقّف و لا حديث عن مآله وهو ما قد يحرم المخبر من التحوّل من وحدة تحاليل مخبريّة (حاليا) إلى قسم للتحاليل الطبيّة (مستقبلا).
أمّا أهمّ مطالب النهوض بالوضع الصحّي بنفطة فقد تركّزت على ضرورة إعادة هيكلة المستشفيات بالارتقاء بالمستشفى الجهوي بتوزر إلى مستشفى جامعي و بمستشفى نفطة إلى مستوى مستشفى جهوي و ذلك بالسعي إلى بناء مستشفى جديد بنفطة يستجيب إلى حاجيات المواطنين المتزايدة إلى خدمات صحيّة جيّدة تنهي حالات الوفاة على الطرقات عند التنقل إلى مستشفيات صفاقس و تونس إلى جانب الحاجة إلى تطوير مركز الصحّة الأساسيّة بمنطقة بنفرجالله إلى مستشفى محلّي نظرا للمنطقة الآهلة التي يغطّيها و ضرورة تطوير تجهيزات و إطارات مراكز الصحّة الأساسيّة الأخرى.
كما دعا الحضور إلى ضرورة إعادة اختصاصات : طبّ العيون ، طبّ النساء و التوليد ، طبّ الأنف و الحلق و الحنجرة و طبّ القلب و الشرايين إلى جانب تعيين صيدلي مختصّ اعتبارا إلى وجود هذه الخطّة سابقا و لم تشغر إلاّ سنة 1996.
و يحتاج المستشفى المحلّي من حيث الموارد البشرية في الوقت الحالي إلى 4 ملحقي إدارة و 16 من عملة التنظيف و الحراسة. و أثيرت أيضا مشكلة قدم التجهيزات و المعدات فضلا عن نقصها و مثال ذلك كرسيّ طبّ الأسنان الذي يصل عمره إلى 15 سنة ؟ وقد وعد وزير الصحّة في النظام البائد بتغييره منذ سنة 2008 لكن لا حياة لمن تنادي .
كلّ هذه النواقص و الاحتياجات جعلت من العاملين في القطاع الصحّي بنفطة يتعذّبون و هم يعاينون هذا التدهور الخطير و اليومي في الوضع الصحّي بمؤسساتهم و لا يملكون إلاّ الحسرة و بعد الثورة المباركة لم يعد هناك مبرّر للصمت على هذه الأوضاع فبادروا بوقفة احتجاجيّة يوم 26 مارس 2011 للتحسيس بهذا التدهور و هاهم يستنفرون الجمعيات و الأحزاب و منظمات المجتمع المدني لتحمّل مسؤولياتهم تجاه هذا القطاع الحسّاس الذي يمسّ كلّ الشرائح لا سيّما الضعيفة منها و التي لها المصلحة الكبرى في تطوير المنظومة الصحيّة العموميّة و إيقاف عمليّة تدميرها المنهجي لصالح الاستشفاء الخاص الذي شجعت عليه سياسات النظام البائد التمييزيّة و اللاشعبيّة و يأملون أن تلفت قيم الثورة المؤسسة على ضرورة الاعتناء بالمناطق الداخلية ، عناية الحكومات المقبلة إلى وضع مدينة نفطة العام الذي لحقها حيف كبير في عهد المخلوع بن علي على خلفيّة موقفها السبّاق لرفض سياساته غداة أحداث الفيضانات سنة 1990.

خالد العقبي
ناشط نقابي و حقوقي بنفطة