إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 2 مارس 2010

عودة الايّام القصصيّة البشير خريّف






عندما بعثت الأيّام القصصيّة البشير خريّف" في دورتها الأولى سنة 2002 كانت تظاهرة لا بدّ منها للاحتفاء بالفن ّ الروائي التونسي و تكريما مستحقّا لأحد أبرز روّاده و مبدعيه، و لم تكن مدينة نفطة حاضنة تلك الاحتفاليّة مكانا مغمورا قد يظنّه البعض ضيّقا عن استقبال تظاهرة ثقافيّة وطنيّة بهذا الحجم و الأهميّة بل كانت و لا تزال تربة ملهمة زاخرة بمبدعيها الذين لم يكن رائد الرواية التونسيّة الحديثة البشير خريّف إلاّ أحد رموزهم الخالدة إلى جانب الرّاحلين الشعراء شقيقه الشاعر مصطفى خريّف و منوّر صمادح و الميداني بن صالح و عبد الرحمان عمّار (ابن الواحة ) و مصطفى عزّوز و امتدّ عطاء هذه المدينة في الأحياء من مبدعيها في قائمة طويلة ممن أسهموا في إثراء المدوّنة الأدبيّة التونسيّة كالروائي الأستاذ محمد الهادي بن صالح و الشاعر محي الدّين خريّف و طائفة واسعة من الأدباء الشبّان الذين يضيق المقام لذكرهم جميعا...و في إطار تسليط الأضواء على عطاء نفطة الأدبي نذكّر فقط بأنطولوجيا النصوص الشعريّة التونسيّة التي ترجمها الى الفرنسية المرحومين توفيق بكّار و صالح القرمادي و نشرتها دار "سندباد" بباريس سنة 1981 حيث ضمّت أربعة و عشرين أديبا تونسيا أربعة منهم أصيلي نفطة (1) لتفرض هذه المدينة الجنوبيّة النائية أحقيّتها باحتضان التظاهرات الثقافيّة و تعطي نموذجا في لا مركزية الثقافة و في هذا الاطار عادت "الأيّام القصصيّة البشير خريّف" في دورتها الخامسة أيّام 12 و 13 فيفري الجاري بعد انقطاع دام أربع سنوات أي مباشرة بعد وفاة المرحوم الميداني بن صالح الرئيس السابق لاتحاد الكتّاب التونسيين؟؟
انطلق افتتاح التظاهرة بنزل "كرفان سيراي" مساء الجمعة 12 فيفري من طرف السيّد جمال الدّين الشابي المندوب الجهوي للثقافة و المحافظة على التراث و بإشراف من السيّد صلاح رمضان والي توزر و في كلمتها الافتتاحيّة توجّهت الأستاذة جميلة الماجري رئيسة اتحاد الكتّاب التونسيين بجزيل الشكر إلى أهالي نفطة على احتضانهم للتظاهرة متطرّقة إلى أهميّة المرحوم البشير خريّف في تاريخ الفنّ الروائي التونسي معلنة التمسّك بخيار إحياء مثل هذه التظاهرات في المناطق الدّاخليّة تكريما لأبنائها المبدعين و اعترافا بعطائهم الأدبي و المعرفي و تكريسا لخيار لا مركزيّة الأنشطة و التواصل مع فروع اتحاد الكتّاب بالجهات.
و بعد استراحة وجيزة انطلقت الجلسة العلميّة الأولى بإدارة القاص و الروائي الأستاذ رضوان الكوني رئيس نادي القصّة حيث شدّد على ريادة البشير الخريّف في مجال الرواية التونسيّة كأوّل من كتب قصّة ناجحة في تونس معتبرا ما سبقه من محاولات لا تتوفرعلى شروط الرواية على المستوى الشكلي على الأقلّ ، و قدّم جردا بيبلوغرافيا موجزا لأعداد من مجلّة قصص تناولت أدب البشير خريّف لمن يريد التوسّع في الاطّلاع و الدراسة (2) ثم أفسح في المجال للقاص الدكتور محمود بلعيد الذي قدّم شهادة مطوّلة حول ذكرياته مع المرحوم البشير خريّف و الأجواء الأدبيّة و الثقافيّة في سبعينيات القرن الماضي و ما كانت تزخر به المقاهي الثقافيّة بالعاصمة من حيويّة و نشاط ، و تناول الأستاذ الناقد عمر حفيّظ الكلمة ليعرض مداخلته المعنونة " البشير خريّف : بين الواقعيّة و الرمزيّة" استعرض خلالها أهمّ مميّزات أدب البشير خريّف و تجربته الثريّة و تناغمه الباهر مع المدارس الواقعيّة السائدة من حيث تطرّقه لواقع عملة المناجم و ظروف عيش شعوب المستعمرات و تطرّقه للجوانب العاتمة من حياة الكثيرمن الفئات المهمّشة و تلاه الأستاذ الروائي و الأكاديمي محمّد الغزالي أصيل نفطة المقيم بباريس بمداخلته التي قدّم فيها "مدخلا لقراءة لغويّة - نفسية لرواية الدقلة في عراجينها" عرض فيها لأهمّ الخصائص النفسيّة المؤثرة في الكاتب و التي عكسها في روايته من خلال الحفر في خصائص شخصياته و أبطاله.
أمّا الجلسة العلميّة الثانية فقد أدارها الأستاذ عمر حفيّظ و تضمّنت مداخلات الأستاذة آمال مختار أو شهادتها " أنا و البشير خريّف و الرواية " و مداخلة الدكتور محمّد البدوي المعنونة " حبّك درباني للبشير خريّف بين الفنّ و التوثيق" و مداخلة الأستاذ ظافر ناجي "القصّة مملكتي " و مداخلة الكاتب الأستاذ الناصر التومي " البشير خريّف : الأديب الملهم " .
أمّا المناقشات و التعليقات فقد كانت ثريّة و عميقة عكست قدرا كبيرا من اهتمام الحضور بالنقد و قضايا الأدب و الإبداع فأثيرت إشكاليّة التاريخي و الإبداعي في أدب البشير خريّف و علاقة الروائي بالتسجيل التاريخي و مدى مسؤوليّته عن نقل الأحداث و عن الحدود بينه و بين المؤرّخ و طرحت مسألة استعمال اللهجة الدّارجة في مقابل العربيّة الفصحى في أعمال خريّف و هو ما يطرح إشكاليّة سلامة اللغة الروائيّة و ترفّعها عن المحليّات و هل أنّ ذلك عائق أمام انتشار الأدب ؟ أم أنّه شرط من شروط تجذّره وواقعيّته ؟؟
و تساءل البعض عن شروط الرواية الناجحة التي يعتبر خريّف أوّل من أنجزها في تونس و هو مبحث شكلي أشار الأستاذ رضوان الكوني في معرض ردّه إلى أنّ المواصفات المتعارف عليها للرواية قد توفّرت في أعمال البشير خريّف مثل البنية السرديّة و الشخصيات و و تقنيات الحوار و الصراع الدرامي بالإضافة إلى حجم العمل على عكس بعض الأعمال السابقة مثل ما كتبه المرحوم صالح السويسي في عمله "الهيفاء و سراج الليل " سنة 1906 التي كانت في قرابة 20 صفحة و هي عبارة عن درس وعضي ، او حتّى ما كتبه المرحوم محمود المسعدي الذي لم يكن يخضع لمقاييس فنّ الرواية على الرغم من قيمته الإبداعيّة الراقية .
و في جلسة الاختتام التي انقسمت إلى جلسة للقراءات القصصيّة نسّقها الأستاذ الروائي إبراهيم الدّرغوثي عضو الهيئة المديرة لاتحاد الكتّاب التونسيين و تناوب فيها كلّ من بسمة بوعبيدي ، إبراهيم بن سلطان ،عبّاس سليمان ، أحمد الفهيري ، محمّد فيصل القاسمي و آمال مختار و جلسة للتكريم و التوصيّات كرّمت خلالها الباحثة و الناقدة الجزائريّة الدكتورة شادية شقروش تقديرا لاهتمامها بالأدب التونسي و بمناسبة إسناد العضويّة الشرفيّة لها باتحاد الكتّاب التونسيين كما كرّمت رغم غيابها بسبب المرض القاصّة التونسيّة الأستاذة فاطمة سليم باعتبارها واحدة من رائدات الكتابة القصصيّة و الحركة الثقافيّة في تونس.
و تناولت الأستاذة جميلة الماجري رئيسة اتحاد الكتّاب التونسيين الكلمة الختاميّة لتعلن اختتام التظاهرة مثمّنة ما قدّمه المحاضرون و ما أبداه الحضور من تجاوب و اهتمام مبشّرة باعتزام اتحاد الكتّاب ووزارة الثقافة و المحافظة على التراث إحياء مئويّة الشاعر الكبير مصطفى خريّف بمدينة نفطة خلال هذه السنة 2010 تقديرا لقيمته الشعريّة كواحد من ألمع شعراء تونس المعاصرين إلى جانب إحياء ذكرى الشاعرالكبير منوّر صمادح اعترافا لهذه الجهة بعطائها و مبدعيها كما وعدت بأن تكون الأيّام القصصيّة البشير خريّف تظاهرة مغاربيّة و عربيّة في دورتها السادسة .
هذا ما يدعو مثقفي نفطة و مبدعيها إلى حراك ثقافي و أدبيّ أكثر حيويّة و نشاط يتفاعل مع هذه المناسبات في استقلاليّة عن الأطر الرسميّة المحليّة و على رأسها اللجنة الثقافيّة المحليّة التي كانت غائبة عن هذه المناسبة غيابا غير مفهوم يطرح السؤال مجدّدا في هذه المدينة العريقة عن جدوى كثرة الجمعيّات و عدم فعاليّتها في نفس الوقت ؟؟؟

خالد العقبي
نفطة

(1)Ecrivains de tunisie – anthologie de textes et poèmes traduits de l’arabe par taoufik Baccar et Salah Garmadi .

(2) الأعداد 56 و 63 و 147 من مجلّة "قصص" إلى جانب أعمال ملتقى القصّاصين المغاربة بالحمامات الذي عقد سنة 1968.