إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 4 يوليو 2021

 


 

تونس و الأمير عبد القادر

بقلم : خالد العقبي/ كاتب من تونس

يأتي الهجوم البغيض على شخصيّة الأمير عبد القادر الجزائري في سياق ما دأبت عليه القوى الاستعمارية و أذنابها المحليين من حملات تشويه لرموز النضال الوطني   كلّما أدركت  تلك القوى المفلسة حجم إفلاسها السياسي و الحضاري أمام ما تحققه الشعوب المتحررة من استقلال في القرار و تقدّم في البناء الاقتصادي و تماسك في المستوى الاجتماعي  و يأتي كل ذلك في سياق استكمال الدور التخريبي تحت غطاء ما سمي بالربيع العربي  .

و لعلّ ما صرّح به الموتور  آية حمودة من افتراءات مقرفة لا ترتقي حتى إلى مستوى الأكاذيب في حق شخصية راسخة في الوجدان الجزائري و المغاربي     و العربي و الإسلامي و الإنساني عامة ، لا يمكن  تشويه صورتها الناصعة  بأي حال من الأحوال اعتبارا  لثبوت ملاحمها النضالية المشهودة  و خصالها الإنسانية المعدودة و مناقبها الأخلاقية المحمودة ...

فللأمير عبد القادر مكانة لا يطالها الاهتزاز لما نذر له حياته من تحرر للإنسان   و عزة للعروبة و الإسلام ضدّ أبشع أنواع الاستدمار  الذي تلهث اليوم بيادقه للعودة به من باب التشكيك في إخلاص المجاهدين لقضيتهم و ضرب  مصداقيتهم     و الطعن في عقيدتهم و وطنيتهم و تاريخهم...

و يسجّل التاريخ أن الشعب التونسي بحكم روابط الجوار و اللغة و الدين          و المصاهرة هو دائما اقرب الشعوب لهموم الشعب الجزائري حتى أننا لا نكاد نحصي المشتركات النضالية بين الشعبين الشقيقين  و كان للأمير عبد القادر الدور الحاسم في توطيد أواصر الإخاء و وحدة المصير  بين دولته الوطنية الناشئة و دولة بايات تونس الذين استقبلوا  مبعوثيه بكل حفاوة و قاموا بإيواء اللاجئين الجزائريين من بطش الاستعمار بكل كرم و محبة .

و قد تستغرق الكتابة عن العلاقات التونسية الجزائرية زمن الأمير عبد القادر صفحات و صفحات   و قد ضمنت في كتب و دراسات كثيرة  و احتوت خزائن الأرشيفات التونسية  الآلاف من وثائقها لذلك سأكتفي بما هو شخصي و خاص في هذه العلاقات  و هو ما اتصل بتاريخ جدّنا خليفة الأمير  عبد القادر على بسكرة  المرحوم محمد الصغير بن عبد الرحمان  المعروف بأحمد بلحاج  شيخ واحة سيدي عقبة  و أحد أهم رموز المقاومة الأولى للاستعمار الفرنسي  و الذي عينه الأمير خلفا للشيخ الحسن بن عزوز البرجي سنة  1841 والذي خلف هو بدوره الشيخ فرحات بن سعيد.  بقي الخليفة محمد الصغير" يكافح تحت لواء  الأمير  إلى أن استسلم هذا الأخير  عام 1847 فانتقل هو  إلى نفطة التونسية بالجريد و استقر بها " و من تونس كان الخليفة  يساند الثورات  في الداخل الجزائري  فقدم لنجدة الشيخ  بوزيان و سكان واحة الزعاطشة  سنة 1849      و ساند ثورة  الشريف محمد بن عبد الله  سنة 1952 عند هجومه على تقرت  و بعد وفاته في مدينة توزر  في حدود سنة 1956  بقي ابنه مصطفى العقبي يتردد على الأمير في دمشق (1)

حيث أن الأمير استوصى خيرا بهذا الأخير  في رسالة وجهها إلى الوزير التونسي مصطفى خزندار يقول  له في  آخرها :  "ثم إن عوض ولدنا  السيد مصطفى العقبي  ما دخل  علينا  و لا تردد ثانية إلينا  إلا  و هو  يذكر من مزاياكم  السنية  و سجاياكم البهية ما  ملأ القلوب  حبرة و المسامع مسرة  فالمرجو  من سني  هممكم  أن تلاحظوه بعين المحبة  و تعاملوه معاملة الأحبة  و الله ولي التوفيق..."(2)

و كان هذا الخليفة من أهم سفراء الأمير عبد القادر إلى بايات تونس  حيث كان يرسله لهم باستمرار  في إطار طلب الدعم لثورته أو تأمين أعوانه  أو مجاملة البايات في بعض المناسبات (3) مما انعكس إيجابا على أوضاع من لجأ من ثوار الجزائر إلى تونس .

و يمتد الاهتمام الشخصي بسيرة الأمير عبد القادر إلى ما قدّمته مدينتي نفطة  بالجريد التونسي من جليل الخدمات لمختلف الثورات الجزائرية  مما سهل تحرك الثوار لمواصلة المقاومة انطلاقا من تونس  فقد أورد الكونت دي باتي دي كلام le comte Auguste- Antoine du paty de clam  في المسح الزمني الذي نشره حول تاريخ مدينة نفطة  بأن الشيخ ابراهيم بن احمد دعم سنة 1866 ثورة بن ناصر بن شهرة و بن محيي الدين ابن الامير عبد القادر   بمائة فارس انطلقوا من مدينة نفطة في الجريد التونسي .

و يذكر المرحوم  أبو القاسم سعد الله  في معرض حديثه عن ثورة الصبايحية  التي حدثت في جانفي 1871 انه "قد شارك المتمردون  الشعب و اغتالوا ضباطهم الفرنسيين و نادوا بالاستقلال  و أخذوا يرددون  "ان باريس قد سقطت  في يد البروسيين و أن محيي الدين  (ابن الامير عبد القادر) سيأتي من نفطة ...ان الجزائر  ستثور كلها و أن هذه فرصة فذة  لطرد الفرنسيين(4)...

و لا نغفل احتضان مدينة نفطة لعائلة  آل بن عزوز البرجي التي منها خليفة الأمير عبد القادر الحسن بن عزوز و التي قدمت من طولقة لتصبح زاويتها الرحمانية في نفطة كعبة لطلبة العلوم الشرعية و قاعدة للثوار و المجاهدين و قد "هاجر مؤسس الزاوية سيدي مصطفى بن عزوز  الى نفطة سنة 1844 بعد احتلال فرنسا لبسكرة  رفقة صهره الحسين بن علي بن عمر ...و كان  لانتقال الشيخ بن عزوز  إلى نفطة  سببا نضاليا و هو  أن يجعل الزاوية في نفطة مكان راحة للمجاهدين بالإضافة إلى دورها في التوجيه الديني" (5)

و لا تزال هذه العائلات في نفطة بالجنوب التونسي و بعموم القطر التونسي تكن الاحترام و التقدير للأمير عبد القادر  باعتباره قائد الكفاح الذي انخرط فيه أسلافها  و رمز الدولة التي حلم بها أجداده  و لعل ما يطال الأمير من تطاول يعتبرونه تطاولا على تاريخهم العائلي  و مسا من ماضيهم المقاوم  فالأمير لم يشهد له الأصدقاء بالبطولة و الرفعة بل شهد به الأعداء و الخصوم قبلهم فهذا  أ.ف.دينيزن  يقول  في مقدمة كتابه حول الأمير :" ...و عبد القادر هو هذا الرجل الذي أخذ على عاتقه بفضل خصائصه العظيمة و الظروف المناسبة أن يوحد بين  أبناء وكنه في أمة و أن يوجه أفكارهم السياسية  و جهة أخرى و يضع لهم بذرة السعادة و الرفاهية و القوة  من غير أ، يقطع الصلة بالأوضاع القديمة و التقاليد السابقة بطريقة عنيفة "(6)

و يذكر  المرحوم أبو القاسم سعد الله  ما جاء على لسان الكاتب مارسيل إيمري  من أن الأمير عبد القادر  هو "بطل الاستقلال و القومية العربية في الجزائر" (7)

 أما الجنرال  ديميشال  فقد اعتبره" ممثلا لشرعية جديدة" في الجزائر (8)        و اعتبره  تيير رجل الدولة الفرنسي "الممثل البارز للقومية العربية " كما  ذكره ب.بوايي على انه " القائد الروحي للجزائر" (9)

فكيف لا ينفعل من ارتبط وجدانهم بتاريخ أسلافهم المقاومين عند المساس بأهم رموز الوطنية الجزائرية الحديثة  من طرف شواذ لا هم لهم إلا هدم الأوطان و تفريق الشعوب و بث الفتنة فيها بنشر الأكاذيب  و الترهات

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) و (2) و (3)  يراجع كتاب المرحوم مصطفي بوعزيز (الأمير عبد القادر الجزائري : رائد الكفاح الجزائري) الصادر عن  الدار العربية للكتاب و الشركة الوطنية للنشر و التوزيع./تونس 1983

(4) أبو القاسم سعد الله / الحركة الوطنية الجزائرية (الجزء2) /ص53

(5) أنظر في ذلك كتاب "سير و تراجم   أعلام منطقة  طولقة  لعبد الرحمان مواقي /ص 160

(6) أ.ف دينيزن  / الأمير عبد القادر و العلاقات  الفرنسية العربية في الجزائر /ترجمة .. أبو العيد دودو / دار هومة الجزائر

(7) و (8) و (9) يمكن الرجوع لأبو القاسم سعد الله /الحركة الوطنية الجزائرية (الجزء2)/ص 48 و 49