إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 28 فبراير 2020

قضايا محليّة: التراث الطرقي كمنتوج للسياحة الثقافية


تسع فعاليات طرقيّة ممكنة لتنشيط السياحة الثقافية و الروحيّة بنفطة

خالد العقبي


في إطار البحث عن أفكار جديدة و فتح مجالات متجدّدة قصد تنويع المنتوج السياحي بمدينة نفطة و الجهة عموما تبرز للسطح مقاربة السياحة الثقافيّة  و الرّوحيّة كخيار من خيارات الاستثمار في التراث المحلّي و تثمينه  و تأهيله كمنتوج سياحي جاذب .
و أمام محدوديّة التظاهرات التراثية و عدم امتدادها و تواضع أساليب تنظيمها            و الترويج لها تبرز المناسبات الطرقيّة التي تزخر بها مدينة نفطة و تشكّل منذ القديم مواعيد زيارة و تواصل ، تتبلور فكرة جعل هذه المناسبات محطّات لفعاليات ثقافية و تراثية ذات بعد ترفيهي و فرجوي و روحي يمكن أن يضمن ديمومة الزخم السياحي بمدينة نفطة .
أهداف الاستثمار في المناسبات الطرقية و التراثية:
1)  المحافظة على التراث الموسيقي الطرقي و تثمينه و تهذيبه و إعادة صياغته       و ترويجه.
2)  ضمان ديمومة الحركية السياحية من خلال الزيارات.
3)  تنشيط الحركية التجارية و الاقتصادية
4)  دعم روابط  الإخاء و التواصل بين كل المرتبطين بمدينة نفطة و الجريد من داخل تراب الجمهورية أو خارجها.
5)  العمل على جعل نفطة عاصمة للثقافة الروحية.
6)  التحسيس بضرورة صيانة المعمار التقليدي المرتبط بالمقامات و الأضرحة و الزوايا.
7)  استثمار الكفاءات الشبابية في مجالات التوثيق و الرقمنة و التصوير الفوتوغرافي و السنمائي  للحفاظ على التراث المحلي و تثمينة.
8)  دعم البحث العلمي في مجال التراث الطرقي و توفير موارد وثائقية          و بيبلوغرافية خاصة بهذا المجال.


و في هذا السياق يمكن توظيف الوسائل التالية لتحقيق تلك الأهداف:
1)  تنويع المهرجانات المتصلة بالتراث الطرقي.
2)  دعم الجمعيات الناشطة في هذا المجال
3)  حصر المناسبات الطرقية بمدينة نفطة و تحديد القائمين عليها و ضبط احتياجاتها.
4)  تبني بلدية نفطة من خلال لجنة الثقافة و التربية  لخطة استثمار في هذه المناسبات بالشراكة مع الجمعيات و الجهات ذات العلاقة(الزوايا/مندوبية الثقافة/الشؤون الدينية/معهد التراث....)
5)  تكفل المعهد العالي للدراسات التطبيقية في الانسانيات بتوزر بتأمين الجانب الأكاديمي في هذا المجال بضبط خطة استثمار للمخزون الطرقي بالجهة .
6)  ضبط خطة ترويجية  تستقطب المردين و أتباع الطرق و الوةايا لهذه المناسبات  من داخل و من خارج الوطن.
الفعاليات الطرقية ممكنة الاستغلال بنفطة:
·       دخلة سيدي أبي علي السني
·       دخلة سيدي سالم
·       عرس سيدي أحمد ميعاد
·       بنقة سيدي مرزوق
·       دخلة سيدي لحمادي
·       فعاليات المولد بزاوية سيدي ابراهيم بن احمد
·       زردة سيدي مزهود
·       الفعاليات  المتصلة بمقام سيدي أبي العباس الدرجيني
·       الفعاليات المتصلة بمقام سيدي حسن عيّاد

كتاب من نفطة: المرحوم المناضل و المربي و الأديب سالم الضيف


الشيخ سالم  الضيف ،  المناضل الشاعر و المربّي المصلح     
خالد العقبي



الشيخ سالم الضيف  نتاج طبيعي للمنظومة التعليمية التقليدية بالجريد التونسي  و التي يعتبر رسوخها و زخمها و أصالتها عوامل متظافرة لإنتاج نخبة مثقفة و فاعلة و نشيطة في محيطها الاجتماعي حيث انخرط الشيخ سالم كغيره من أبناء جيله في النشاط الوطني  و الإصلاحي و التربوي بكثير من الصدق و الإيمان و  الوطنية و الالتزام  ديدنهم النهوض بمجتمعهم المحلي  و مصارعة عوامل التخلف التي  غذّاها الجمود المتوارث عن مؤسسة التقليد الديني المحافظ من جهة و السياسات الاستعمارية المهيمنة و المعيقة لبلوغ المجتمعات المستعمرة درجات من التحصيل العلمي و المعرفي ما يجعل منها قوى مناهضة لنزعته الاستبدادية                و الاستغلاليّة و يقطع الطريق أمام كل محاولات المقاومة الواعية لمشروعه الاستيطاني و التغريبي .
و كانت أسلحة هذه النخبة في هذه المعارك المصيرية أقلامهم المجردة  لفعلهم الإصلاحي عبر منابر المساجد وحلقات الدرس و منتديات الشعب الحزبية  و المنتديات الأدبية    و النقابات العمالية، موظفين القيم الدينية السمحة و مكارم الأخلاق المتوارثة و ضرورات الانعتاق الوطني المبثوثة في خطب الزعماء و القادة  ليشكلوا مناخا ثقافيا صلبا  يواجه الاستعمار                   و يقارعه...و قد عرفت مدينة نفطة بحكم مركزيتها في منظومة التعليم التقليدي بالجريد  أعلاما أفذاذا في الجمع بين المعرفة   و النضال الوطني مثل الزعيم الشافعي الشريف و العلاّمة محمد الخضر حسين و الشيخ المكي بن عزوز  و غيرهم كثير ممن ألهموا الأجيال بفكرة التلازم بين التحصيل العلمي و المعرفي  و النضال الوطني من أجل الحرية  و الانعتاق...و تركوا في هذا الشأن مصنفات أصبحت جزء من أدبيات الحركة الإصلاحية      و الوطنية التونسية.
و في هذا المناخ كتب الشيخ سالم الضيف المربي و المناضل  و المصلح كتابه " باقة من البيانات في أضرار الخمر و المخدّرات و تحريمها في الإسلام" و هو كتاب بسيط في محتواه  يغلب عليه الطابع الوعظي و لكنه غني بدلالاته السياسية و الاجتماعية و الإصلاحية  و تأتي أهميّته من عدّة جوانب أبرزها:
-         الجانب الوطني: حيث ربط الشيخ  تفشي ظاهرة المسكرات              و المخدرات  بأساليب الحرب الاستعمارية على إرادة الشعب و قواه الحيّة  و هو أشبه ما يكون بحرب الأفيون التي خاضتها  بريطانيا ضدّ الصين  في أربعينيات القرن الماضي و ما تصدير الكتاب بنص تنويهي حول التفاعل الإيجابي للزعيم الحبيب بورقيبة مع جهود الجمعية الإسلامية لمقاومة الخمر و المخدرات  إلا دليل على الوعي السياسي بأهمية مقاومة الظواهر المدمّرة للمجتمع و خاصة قواه الشابّة.
-         الجانب التنظيمي المدني: حيث يعتبر بعث جمعية أهليّة تعنى بالتصدي لظواهر الانحراف و  الإدمان ، درجة متقدّمة لوعي النخبة في ذلك الوقت  بحدود مهامها      و أدوارها النضاليّة و اهتدائها لأدوات عملها المدني و  السلمي المنظم.
-         الجانب الاجتماعي و الأخلاقي : حيث بيّن الشيخ سالم الضيف ارتباط الإدمان بالتفكك الاجتماعي و الانهيار الأخلاقي للمجتمعات  و سهولة اختراقها و المسّ من سيادتها الوطنية.
-         الجانب الاستشرافي : حيث استبق الشيخ سالم الضيف ما هو حاصل اليوم من انتشار للمخدّرات و رواجها بين الشباب  ليبيّن آثار ذلك على مناعة الأوطان  فتصبح قضيّة الإدمان على المخدّرات قضيّة متجدّدة عبر الزمن و تستدعي راهنيتها معرفة رؤية الأجيال السابقة لأساليب مقاومتها و التوعية ضد مخاطرها.
-         الجانب المقارن: حيث استحضر الشيخ سالم تجارب مقاومة المسكرات و المخدّرات في القطر المصري  من باب وحدة مصير الشعوب المستهدفة بهذه الآفات  و استعراض أساليب المكافحة التي أبدعتها تلك الشعوب عبر  علمائها  و مثقفيها .
يعتبر كتاب الشيخ سالم الضيف "باقة  من البيانات في أضرار الخمر         و المخدرات و تحريمها في الإسلام" من الكتب الرائدة في الإصلاح الاجتماعي و مقاومة الانحرافات التي يعتبر الإدمان على المسكرات           و المخدّرات أبرزها و هو كتاب متوسّط الحجم  و على المرجح أنه صدر سنة 1955 أو 1956  عن مطبعة التليلي بتونس العاصمة  في 188 صفحة  مبوّبة ضمن فهرس  احتوى :
-         الإهداء
-         كلمة المجاهد الأكبر
-         مقدمات و بيانات
-         تحريم الخمر في القرآن و بيانات
-         السنة النبوية و موقفها من الخمور
-         تعاليق و مقالات عن أضرار الخمور لجماعة من العلماء
-         كم من رجال في الجاهلية حرموا الخمر
-         من أقوال السلف في الخمر
-         من أقوال الحكماء في ذم الخمر
-         لويعلم شارب الخمر
-         الشعراء في ميدان التحذير من الخمر
-         بيانات عن الخمر من الوجهة الطبية
-         مقاومة الخمر في كثير من دول العالم
-         قرار المؤتمر الطبي العالمي في تحريم الخمور
-         مضار الخمور
-         مجموعة من المقالات في أضرار الخمر لصاحب الباقة
-         جمعية منع المسكرات و بيانات
-         خطبتان منبريتان في ذم الخمر
-         باب المخدرات و المغيبات
-         خطبتان منبريتان في ذم المخدرات
-         الجمعية الاسلامية لمقاومة الخمر و المخدرات و بيانات.
و أتبع ذلك بجرد لمراجع كتابه

و يكشف حماس الشيخ سالم الضيف لتأليف هذا الكتاب حول ظاهرة سلبية و مدمّرة يعاني منها مجتمعه المحلي و الوطني درجة ارتباط رجال التربية و التعليم عموما بمسائل الإصلاح الاجتماعي و تدخلهم الرمزي في الحث على الانضباط السلوكي و الأخلاقي في أوساط فئات شعبهم لتحقيق الرقي و الخروج من دوائر التخلف   و الانحطاط لذلك نلاحظ أن انخراط رجال التربية كان قويا في العمل الحزبي الوطني و في المقاومة الثقافية للاستعمار  بما أوتوا من المعارف المتاحة في عصرهم   و بما وقر في ضمائرهم من قيم دينية و أخلاقية .
و كان الأدب و فن الشعر تحديدا وسيلة من وسائل الشيخ سالم الضيف الذي كان يقرض شعرا جيّدا في أغراض متنوّعة غلبت عليها أغراض الوطنية و الوعظ الديني و الأخلاقي و الاجتماعي  قد نظم في هذا الغرض قصيدة عنوانها : من وحي تحريم الخمر في الإسلام جاءت في 27 بيتا        و طالعها:
أيّها المسلم حاذر و ابتعد         عن تعاطي الخمر و اصلح و اجتهد


سالم الضيف سيرة مختصرة
كانت ولادة الشيخ سالم بن عمر بالحاج عثمان الضيف في 11 ماي 1911 بمدينة نفطة  و قد مات والده  و عمره سنتان و نصف  و في سن مبكرة حفظ القرآن الكريم في كتاب حيّه  ثم انتقل سنة 1927 للدراسة  بالفرع الزيتوني بنفطة  و انتقل بعدها إلى جامع الزيتونة المعمور لينال منه شهادة التطويع  و هناك شارك في  التحركات المطالبة بإصلاح التعليم الزيتوني .
و في مسقط رأسه بمدينة نفطة كانت له أنشطة  متنوّعة  فأسس سنة 1947 فرعا للجنة العربية العليا لنصرة  فلسطين و ساهم في تأسيس مدرسة السني القرآنية سنة 1948   و تولى إدارتها  و التدريس بها  إلى حدود سنة 1957  حيث انتقل للإقامة       و العمل  بالعاصمة ( جهة باردو)  و أحيل على شرف المهنة  سنة 1971 .
ناضل الشيخ سالم الضيف في صفوف الحزب  الحر الدستوري التونسي       و تولى فيه مسؤولية  الكتابة العامة لشعبة نفطة  الدستورية و مثل مدينته  في مؤتمر الحزب بنهج التريبونال بالعاصمة  ثم تولى رئاسة شعبة نفطة الدستورية سنة 1937   و شارك في  أغلب  التحركات المناهضة للسلطات الاستعمارية  و منها المظاهرات الرافضة للمؤتمر الأفخرستي و الحركة المضادة للتجنيس.
توفي المرحوم سالم الضيف بالعاصمة في جوان من سنة 1990.