إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 4 يوليو 2021

 


 

تونس و الأمير عبد القادر

بقلم : خالد العقبي/ كاتب من تونس

يأتي الهجوم البغيض على شخصيّة الأمير عبد القادر الجزائري في سياق ما دأبت عليه القوى الاستعمارية و أذنابها المحليين من حملات تشويه لرموز النضال الوطني   كلّما أدركت  تلك القوى المفلسة حجم إفلاسها السياسي و الحضاري أمام ما تحققه الشعوب المتحررة من استقلال في القرار و تقدّم في البناء الاقتصادي و تماسك في المستوى الاجتماعي  و يأتي كل ذلك في سياق استكمال الدور التخريبي تحت غطاء ما سمي بالربيع العربي  .

و لعلّ ما صرّح به الموتور  آية حمودة من افتراءات مقرفة لا ترتقي حتى إلى مستوى الأكاذيب في حق شخصية راسخة في الوجدان الجزائري و المغاربي     و العربي و الإسلامي و الإنساني عامة ، لا يمكن  تشويه صورتها الناصعة  بأي حال من الأحوال اعتبارا  لثبوت ملاحمها النضالية المشهودة  و خصالها الإنسانية المعدودة و مناقبها الأخلاقية المحمودة ...

فللأمير عبد القادر مكانة لا يطالها الاهتزاز لما نذر له حياته من تحرر للإنسان   و عزة للعروبة و الإسلام ضدّ أبشع أنواع الاستدمار  الذي تلهث اليوم بيادقه للعودة به من باب التشكيك في إخلاص المجاهدين لقضيتهم و ضرب  مصداقيتهم     و الطعن في عقيدتهم و وطنيتهم و تاريخهم...

و يسجّل التاريخ أن الشعب التونسي بحكم روابط الجوار و اللغة و الدين          و المصاهرة هو دائما اقرب الشعوب لهموم الشعب الجزائري حتى أننا لا نكاد نحصي المشتركات النضالية بين الشعبين الشقيقين  و كان للأمير عبد القادر الدور الحاسم في توطيد أواصر الإخاء و وحدة المصير  بين دولته الوطنية الناشئة و دولة بايات تونس الذين استقبلوا  مبعوثيه بكل حفاوة و قاموا بإيواء اللاجئين الجزائريين من بطش الاستعمار بكل كرم و محبة .

و قد تستغرق الكتابة عن العلاقات التونسية الجزائرية زمن الأمير عبد القادر صفحات و صفحات   و قد ضمنت في كتب و دراسات كثيرة  و احتوت خزائن الأرشيفات التونسية  الآلاف من وثائقها لذلك سأكتفي بما هو شخصي و خاص في هذه العلاقات  و هو ما اتصل بتاريخ جدّنا خليفة الأمير  عبد القادر على بسكرة  المرحوم محمد الصغير بن عبد الرحمان  المعروف بأحمد بلحاج  شيخ واحة سيدي عقبة  و أحد أهم رموز المقاومة الأولى للاستعمار الفرنسي  و الذي عينه الأمير خلفا للشيخ الحسن بن عزوز البرجي سنة  1841 والذي خلف هو بدوره الشيخ فرحات بن سعيد.  بقي الخليفة محمد الصغير" يكافح تحت لواء  الأمير  إلى أن استسلم هذا الأخير  عام 1847 فانتقل هو  إلى نفطة التونسية بالجريد و استقر بها " و من تونس كان الخليفة  يساند الثورات  في الداخل الجزائري  فقدم لنجدة الشيخ  بوزيان و سكان واحة الزعاطشة  سنة 1849      و ساند ثورة  الشريف محمد بن عبد الله  سنة 1952 عند هجومه على تقرت  و بعد وفاته في مدينة توزر  في حدود سنة 1956  بقي ابنه مصطفى العقبي يتردد على الأمير في دمشق (1)

حيث أن الأمير استوصى خيرا بهذا الأخير  في رسالة وجهها إلى الوزير التونسي مصطفى خزندار يقول  له في  آخرها :  "ثم إن عوض ولدنا  السيد مصطفى العقبي  ما دخل  علينا  و لا تردد ثانية إلينا  إلا  و هو  يذكر من مزاياكم  السنية  و سجاياكم البهية ما  ملأ القلوب  حبرة و المسامع مسرة  فالمرجو  من سني  هممكم  أن تلاحظوه بعين المحبة  و تعاملوه معاملة الأحبة  و الله ولي التوفيق..."(2)

و كان هذا الخليفة من أهم سفراء الأمير عبد القادر إلى بايات تونس  حيث كان يرسله لهم باستمرار  في إطار طلب الدعم لثورته أو تأمين أعوانه  أو مجاملة البايات في بعض المناسبات (3) مما انعكس إيجابا على أوضاع من لجأ من ثوار الجزائر إلى تونس .

و يمتد الاهتمام الشخصي بسيرة الأمير عبد القادر إلى ما قدّمته مدينتي نفطة  بالجريد التونسي من جليل الخدمات لمختلف الثورات الجزائرية  مما سهل تحرك الثوار لمواصلة المقاومة انطلاقا من تونس  فقد أورد الكونت دي باتي دي كلام le comte Auguste- Antoine du paty de clam  في المسح الزمني الذي نشره حول تاريخ مدينة نفطة  بأن الشيخ ابراهيم بن احمد دعم سنة 1866 ثورة بن ناصر بن شهرة و بن محيي الدين ابن الامير عبد القادر   بمائة فارس انطلقوا من مدينة نفطة في الجريد التونسي .

و يذكر المرحوم  أبو القاسم سعد الله  في معرض حديثه عن ثورة الصبايحية  التي حدثت في جانفي 1871 انه "قد شارك المتمردون  الشعب و اغتالوا ضباطهم الفرنسيين و نادوا بالاستقلال  و أخذوا يرددون  "ان باريس قد سقطت  في يد البروسيين و أن محيي الدين  (ابن الامير عبد القادر) سيأتي من نفطة ...ان الجزائر  ستثور كلها و أن هذه فرصة فذة  لطرد الفرنسيين(4)...

و لا نغفل احتضان مدينة نفطة لعائلة  آل بن عزوز البرجي التي منها خليفة الأمير عبد القادر الحسن بن عزوز و التي قدمت من طولقة لتصبح زاويتها الرحمانية في نفطة كعبة لطلبة العلوم الشرعية و قاعدة للثوار و المجاهدين و قد "هاجر مؤسس الزاوية سيدي مصطفى بن عزوز  الى نفطة سنة 1844 بعد احتلال فرنسا لبسكرة  رفقة صهره الحسين بن علي بن عمر ...و كان  لانتقال الشيخ بن عزوز  إلى نفطة  سببا نضاليا و هو  أن يجعل الزاوية في نفطة مكان راحة للمجاهدين بالإضافة إلى دورها في التوجيه الديني" (5)

و لا تزال هذه العائلات في نفطة بالجنوب التونسي و بعموم القطر التونسي تكن الاحترام و التقدير للأمير عبد القادر  باعتباره قائد الكفاح الذي انخرط فيه أسلافها  و رمز الدولة التي حلم بها أجداده  و لعل ما يطال الأمير من تطاول يعتبرونه تطاولا على تاريخهم العائلي  و مسا من ماضيهم المقاوم  فالأمير لم يشهد له الأصدقاء بالبطولة و الرفعة بل شهد به الأعداء و الخصوم قبلهم فهذا  أ.ف.دينيزن  يقول  في مقدمة كتابه حول الأمير :" ...و عبد القادر هو هذا الرجل الذي أخذ على عاتقه بفضل خصائصه العظيمة و الظروف المناسبة أن يوحد بين  أبناء وكنه في أمة و أن يوجه أفكارهم السياسية  و جهة أخرى و يضع لهم بذرة السعادة و الرفاهية و القوة  من غير أ، يقطع الصلة بالأوضاع القديمة و التقاليد السابقة بطريقة عنيفة "(6)

و يذكر  المرحوم أبو القاسم سعد الله  ما جاء على لسان الكاتب مارسيل إيمري  من أن الأمير عبد القادر  هو "بطل الاستقلال و القومية العربية في الجزائر" (7)

 أما الجنرال  ديميشال  فقد اعتبره" ممثلا لشرعية جديدة" في الجزائر (8)        و اعتبره  تيير رجل الدولة الفرنسي "الممثل البارز للقومية العربية " كما  ذكره ب.بوايي على انه " القائد الروحي للجزائر" (9)

فكيف لا ينفعل من ارتبط وجدانهم بتاريخ أسلافهم المقاومين عند المساس بأهم رموز الوطنية الجزائرية الحديثة  من طرف شواذ لا هم لهم إلا هدم الأوطان و تفريق الشعوب و بث الفتنة فيها بنشر الأكاذيب  و الترهات

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) و (2) و (3)  يراجع كتاب المرحوم مصطفي بوعزيز (الأمير عبد القادر الجزائري : رائد الكفاح الجزائري) الصادر عن  الدار العربية للكتاب و الشركة الوطنية للنشر و التوزيع./تونس 1983

(4) أبو القاسم سعد الله / الحركة الوطنية الجزائرية (الجزء2) /ص53

(5) أنظر في ذلك كتاب "سير و تراجم   أعلام منطقة  طولقة  لعبد الرحمان مواقي /ص 160

(6) أ.ف دينيزن  / الأمير عبد القادر و العلاقات  الفرنسية العربية في الجزائر /ترجمة .. أبو العيد دودو / دار هومة الجزائر

(7) و (8) و (9) يمكن الرجوع لأبو القاسم سعد الله /الحركة الوطنية الجزائرية (الجزء2)/ص 48 و 49

الخميس، 27 مايو 2021

 

عمال جمع الحصى بنفطة : ضحية جشع المستغلين الكبار و صمت السلط الجهوية؟

 

مرّة أخرى تتهدد أبواب رزق شريحة هشة من شرائح مجتمعنا المحلي بنفطة  و مرّة أخرى يغلق قوس نفطة  و تتعطل حركة المرور  على الطريق الوطنية رقم 3  في حركة احتجاجية  ينادي أصحابها بالعدل و الإنصاف ...إنهم عملة جمع الحصى الطبيعي  على جنبات  طريق توزر نفطة  أرباب عشرات العائلات  رفضوا الجلوس في المقاهي  و اختاروا أن يطعموا أطفالهم بالحلال من خلال عمل شاق  و مضني في الصحراء  و تحت شمس حارقة أو برد لاذع  يجمعون أكداس الحصى بوسائل تقليدية قوامها غربال من حديد  لا تنفرد مدينة نفطة بهذه المهنة بل هي موجودة في بعض الجهات الأخرى  كما تمتهنها النساء في أقصى جنوب الجزائر و يعتبر هذا النوع من الحصى  الذي تغطيه طبقة رقيقة من الرمال و الأتربة  و أحيانا يوجد على سطح الأرض من أهم مكوّنات عديد الصناعات و الأعمال الفلاحية لعل أهمها  استعماله في الآبار لترشيح المياه كما يستعمل سابقا في أعمال البناء و تستعمله بعض المصانع في صناعة نوعية جيدة من البلاط.

لم يكن يشكل الاستغلال التقليدي لجمع هذا الحصى أية مشكلة بيئية  فهو يتجدد في الطبيعة و إن كان على مدى بعيد و لكن أصبح جمعه كارثة بيئية بدخول مستغلين جشعين وظفوا آلات ظخمة و معدات و وسائل نقل كبيرة لاستنزاف هذه الثروة  فالغرابيل أصبحت ميكانيكية و سحب الحصى أصبح بالجرافات  و تضرر العمال البسطاء الذين يجمعون حمولة جرار في 3 و 4 أيام فيما يجمعها غيرهم بآلاتهم في ظرف ساعة ؟؟؟

هذا ما جعل سلعتهم تكسد و جهدهم يذهب سدى  و حتى سعر المادة التي يجمعونها أصبح بخسا خاصة عندما يقبله منهم أصحاب الآلات و المستغلين الأقوياء ؟؟

هذا ما دفع عشرات من هؤلاء العمال البسطاء  و منذ سنوات يرفعون صرخة استغاثة لكل من له سلطة في الجهة من والي توزر إلى معتمد نفطة إلى رئيس بلدية  إلى جهات أمنية  دون أي  تسوية  منصفة لمشكلتهم  ما دفعهم لتصعيد تحركهم الاحتجاجي  ليغلقوا القوس مجبرين على ذلك في غياب التفاعل المنصف مع قضيتهم.

إن هذه القضية لا تنحصر في بعدها الاجتماعي  بل لها امتدادات بيئية  و اقتصادية و أمنية تدعو الجهات المعنية للتدخل على غرار  الإدارة الجهوية للبيئة بتوزر و مصالح الفلاحة    و الغابات  و أملاك الدولة  لوضع حدّ للإستغلال المفرط و الممكنن  لهذه المادة  بما أضر  بالغطاء النباتي و التربة  و ساهم في زحف الرمال و التصحر  و كذلك وضع حدّ لمعاناة العمال التقليديين الذين يستغلون مادة الحصى  بطريقة محدودة  لا تهدد البيئة .

و الدعوة أيضا للجهات المعنية لتنظيم هذا القطاع في شكل مقاطع مضبوطة بكراسات شروط و رخص استغلال تستثني محدودي الدخل  و تحدد طرق الاستغلال الممكنن بما لا يضر بالمحيط و يؤمن دخلا جبائيا لخزينة الدولة.

 

خالد العقبي

26 ماي 2021









السبت، 24 أكتوبر 2020

 


من أجل عيد "للإنسانية النقية"

خالد العقبي

 

وضعت الرسوم الكاريكاتورية الاستفزازية المسيئة للرسول الكريم(ص) العلاقات العربية/الإسلامية /الأوروبية  في دائرة منغلقة من الاحتقان و التوتر  الذي لا يخدم الدعوات المتعقلة للحوار بين الحضارات و الأديان و التواصل التفاعلي بين مختلف الثقافات على قاعدة الاعتراف المتبادل بالآخر   و حق الاختلاف عنه ..لقد كانت تلك الرسوم تهجّما مجانيا على  شخصية الرسول (ص) خارج كل أطر اللياقة  و الاحترام  و لقد أصاب  الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان عندما قال في معرض تعليقه على أزمة الرسوم : "أن حريّة الصحافة و التعبير  ليست رخصة مفتوحة  و إنما هي تاريخ طويل من الحريّة المسؤولة "  حيث أن تلك الرسوم لم تحمل  أيّ رأي  يمكن أن يناقش , فقط تشويه  لشخصيّة فذّة  شهد لها كبار مفكري و أدباء و حكماء الغرب بالفرادة  و التميّز الإنساني فما بالك بمن يعتقد في نبوّة تلك الشخصيّة و يعتبر إقراره بتلك النبوّة شرطا لإيمانه الديني بل  لا يستقيم إيمانه  إلاّ باعتقاده في كل  الرسل الكرام ؟؟

غير أن الرد الحضاري  على هذه الاستفزازات  لا يجب  أن يترك  للانفعالات المنفلتة و غير المحسوبة  التي قد تقلب  الصّورة  لتؤكد  الخلفية  التي أريد  للرسوم  أن ترسخها  حول  همجية         و دموية  و فوضوية  العرب و المسلمين  فتلقى المسؤولية  على عاتق المثقفين  كي يبرزوا  الصورة المشرقة  للنبيّ الكريم  و للدين الحنيف في أبعاده الحضارية بعيدا عن التعصب و العدائية  على الأقل  بنفس الطريقة التي تناول بها كبار المفكرين الغربيين المنصفين شخصيّة محمد عليه السلام .

من ذلك مثلا الموقف المتميّز للشاعر و الفيلسوف الألماني الكبير "يوهان فولفغانغ فون غوته" (1749/1832)  الذي قدّر شخصية الرسول محمد(ص) حق قدرها و استلهم من رسالته الخالدة الكثير من أفكاره الإنسانية و الصوفية المتناثرة في دواوينه و أشعاره  و كان إعجابه به  من منطلق إنساني بحت  ساعده في بلورة  نزعته  الروحية  المتصوّفة  و المتسامية  التي كان يتبناها  طائفة من المفكرين الغربيين تساوقا مع نزعة الأنسنة التحررية التي رافقت عصر الأنوار  فلم يعقه في استلهام تلك القيم الشرقية الإسلامية و النبوية تحديدا  الإرث الصراعي  بين العالمين المسيحي  و الإسلامي  فكانت الغلبة  للنظرة  الإنسانية في رؤيته للرسول (ص) على الإرث الخلافي  بين الحضارتين  دليلا على الموضوعية  و اتساع الأفق  الشيء الذي  يبدو غائبا  عن الساحة  الغربية اليوم  تحت تأثير  الإستنفار  اليميني  المحافظ  في عديد الدول الغربية  و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية          و بتحريض  من الدوائر الصهيونية  المتنفذة إعلاميا  في الغرب .

ولذلك نعدم اليوم  أصواتا   نزيهة  ذات وزن و تأثير مثل "غوته"  الذي طفحت دواوينه  بتمجيد الشرق  و الحضارة العربية الإسلامية  و امتلأت بالاستشهادات  العميقة المعاني  من المأثورات  الإسلامية     و الآيات القرآنية  حتى أن الفيلسوف هيغل  اعتبر "الديوان الشرقي الغربي" لغوته بمثابة تحوّل الشاعر  إلى الشعر الفلسفي بفعل تلك الروح الشرقية / الإسلامية  ,  و هو محق لأن توجه الشاعر الصوفي  الإشراقي جعله يجد توأمه  الروحي  في حافظ الشيرازي  الذي ألهبت أشعاره  خيال غوته  و جعلته  يقع تحت  تأثير  الديانة  الإسلامية  و الشعر و الصوفية الشرقيين * على حد قول  الباحث الألماني  "فولفغانغ غونتر ليرش" , و لقد أبرز  ما لمقولة  الحقيقة المحمدية  من مركزية  في الخطاب  الصوفي  من خلال  كمّ المقاطع  الشعرية  المتعلقة  بشخص الرسول (ص)  و التي افتتحها بقصيدته الرائعة  التي نظمها  في ربيع  1772 عندما كان في  الثالثة و العشرين من عمره  و بعد أن درس  ما وصلت إليه  يده  من أدبيات  عن حياة محمد  و تعاليمه  الإسلامية  و كان هدفه  من ذلك  أن ينظم  دراما عن حياة محمد  و قد شرع  بنظم هذه القصيدة  بأسلوب  مناجاة  و حديث شعري يتبادله  علي و فاطمة  كما تحدث  غوته  موضحا ذلك  في ديوانه " خيال وواقع"  و لكنه  بعد ذلك  جعلها قصيدة واحدة  بعنوان " أغنية محمد" ** و من أجمل ما تضمنته  تلك القصيدة قوله :

و بخطوة قائد ثابتة

يجرّ معه مصادر أخوّته

و تحت وطأة قدمه

تنبت في الوادي زهور

و تحي في أنفاسه مروج

و لكن لا يصده  واد ظليل

و لا زهور, إذ هي تطوّق ركبته

و تتملّق له بعيون حبيبة

 

و لم يكن تقدير غوته للرسول(ص) إلا من تقديره للقرآن الكريم الذي رأى فيه كتابا مقدسا سيستمر تأثيره إلى الأبد في هداية الإنسانية إلى طريق الخير  فنراه يكتب بإعجاب بالغ عن القرآن و الرسول الكريم قائلا:

شاهدت بدهشة و سرور

ريشة طاووس في القرآن

فمرحبا بك في هذا الموقع المقدس

يا أثمن كنز على الأرض

فيك و في نجوم السماء

تدرك عظمة الله في الأمور الصغيرة

فهو ينظر إلى العوالم

و عينه متركّزة هنا

لقد ذهب الكثيرون إلى الاعتقاد بأن شاعر الألمان الأكبر معتنق للإسلام من فرط استلهامه للقيم الإسلامية  و إجلاله للرسول (ص) و للقرآن الكريم  حتى أنه قال:

من الحماقة أن كلا في وضعه

يطري رأيه الخاص

فإذ أن الإسلام يعني الاستسلام لله

فكلنا نحيا و نموت في الإسلام

هكذا تجلّت النزعة المتسامحة للإسلام لشاعر عظيم مثل غوته نبذ التعصب و الانغلاق الذي يخيّم  على العالمين المسيحي و الإسلامي و اعتبر المحبّة بين البشر هي العمق الحقيقي لكل دين  و لكل عقيدة فأين نحن من هذه الروح السامية ؟ و أين الغرب تحديدا من هذا الموقف النبيل ؟ و لماذا هذه الردة في المجتمعات الحديثة ؟  التي يفترض بها تشبعها بقيم الحداثة  و العلمنة التي و إن فصلت بين الشأن الديني و الشأن الدنيوي إلا أنها شدّدت على احترام المعتقدات و الأديان ؟

لقد دعا غوته على إثر مشاركته في صلاة في مدينة "فايمر" أقامها  جنود من المسلمين  القادمين مع الجيش الروسي الذي قاتل ضد نابليون , إلى "عيد للإنسانية النقية "  تتوحد فيه كل الأديان  على جوهر إنساني واحد يعلى فيه الإنسان كخليفة لله  و تزول فيه ضغائن العداوات البدائية بين الشرق    و الغرب , فلتكن دعوة غوته هذه حيّة الآن و بدل أن نتقاذف بالرسوم المبتذلة و القنابل المدمرة  و الأجساد المفخخة لنتقاذف بالصلوات الصادقة و الأدعية المخلصة  أن يسود السلام بين البشر و أن يزول مكر الأشرار من تجار الحروب و مصاصي العرق و الدماء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  

*كتاب صادر عن إذاعة صوت ألمانيا تحت عنوان "غوته": العبقرية العالمية.

** مرتضى الشيخ حسين /الشاعر الألماني غوته و تأثره بشخصية النبي محمد  و تعاليم الإسلام

مجلة "آفاق عربية" العراقية /العدد 11 لشهر تموز 1976.

 

الأربعاء، 22 أبريل 2020

القصة ذات المرتبة الخامسة ضمن مسابقة كتابة القصة لليافعين حول الكورونا / أديان بنزعرة


هدية العم مسعود القاتلة
تأليف : أديان بنزعرة/8 أساسي

  الحي على غير عادته يكاد يخلو من اهله و الاطفال الا ما ندر . أنا و أختي جالسين على عتبة المنزل . اذ بسيارة فارهة ، يُفتح الباب و يخرج منها رجل ثلاثينيٌّ ذو لباس غربي . يا لسعادتي انه جارنا مسعود ابن الخالة سالمة ، المغترب بايطاليا عاد في زيارة غير اعتيادية لأمه . لوح بيده لنا محيّا و الابتسامة تعلو وجهه . حييناه بدورنا و اسرعنا بالدخول الى المنزل لإخبار والدينا بمجيئه و الفرحة لا تسعنا ، فقد عودنا بهدايا جميلة . إلا أن ردة فعل ابي و أمي فاجأتنا فقد أمرانا بحزم بعدم الاقتراب منه و الامتناع كليا عن زيارته.  
سألنا عن السبب فقالا لنا انه بسبب فيروس " كورونا " الذي يهدد البشرية في كامل اصقاع العالم ، و خطورته في سرعة انتقاله من شخص مصاب أو حامل للفيروس الى شخص آخر عن طريق اللمس أو انتشار رذاذ سعال المصاب في الهواء أو لمس اشياء لمسها حامل للفيروس
اضافت أمي :" المشكلة يا ابنائي انه لا يوجد دواء و لقاح لهذا الوباء الفتاك و لكن الوقاية خير من العلاج اذ لابد من غسل اليدين كما اوصيتكما دائما بالماء و الصابون و لعدة مرات في اليوم و عدم مصافحة ايّن كان أو تقبيله و عدم مغادرة البيت الا للضرورة ".
أردف ابي قائلا : " لهذه الاسباب لا تقتربا من جارنا مسعود فهو عائد من بلاد موبوءة خذا حذركما عزيزيّا ".
كان العم مسعود قد دخل بيته و ارتمى في أحضان امه يقبلها بحرارة علها تلك القبلات تطفأ نار الغربة و قسوتها . أخذ يحدثها عن الحياة في ايطاليا اصبحت لا تطاق ، خاصة الحي الذي كان يقطن فيه ، بسبب الفيروس و انحباسهم في البيوت . الامر لم يتعود عليه و لم يقبله فقرر العودة الى بلده و التمتع بالتجوال فيها و السهر مع الاحباب و الاصحاب .
عند خروج العم مسعود من منزله و جد بعض الجيران الذين رحبو بقدومه دون الاقتراب منه و نصحوه بالاتزام بالحجر الصحي ببيته و عدم مخاطة أي شخص الى حين طلب الرقم 190 و استدعاء فريق طبي لفرض تفحصه علّه مصاب بفيروس " كورونا " . الا أنه قال لهم أن السلطات الصحية بالمطار قامت بقياس حرارة جسمه و سمحت له بالدخول الى تونس و العودة الى البلدة . لكن أحد جيراننا أكد له أنه يمكن أن يكون حاملا للفيروس دون ان تكون عليك عوارض المرض لذلك ما ضرّ لو مكثت ببيتك اسبوعين فقط بغرفة لوحدك و نحن سنقوم بكل شؤونك و مستلزماتك أنت و أمك المسنة.
تجاهل العم مسعود كل محاولات النصح له و ركب سيارته و اخذ يتجول في كل شبر من بلدته الصغيرة يصافح الاصدقاء و الاحباب و يزور الأقارب بيتا بيتا ثم يتوجه الى المقهى فقد أخذه الشوق الى خلان الصبى ليقضي معهم وقتا في لعب الورق . و في طريق عودته الى المنزل مر بالسوق اين اشترى بعض مستلزمات الطعام من خضر و غلال.
بقي العم مسعود على هذه الحالة كل يوم يغادر المنزل و لا يعود اليه الا في المساء .
كان يسعل بين الحين و الآخر و يعطس و لكن ارجع ذلك الى تغير الطقس عليه و كثرة تغيير ملابسه لذلك لم يعر حالته الاهتمام الكافي.
بعد اسبوع كامل من عودته بدأت حرارة جسم الخالة سالمة بالارتفاع  و أخذ تنفسها يختنق بشدة مع سعال جاف . عند عودته وجد العم مسعود أمه تنتفض انتفاضا. أسرع بها الى المستشفى بقسم العناية المركزة ، أين فارقت الحياة بعد سويعات قليلة.  
جسم الخالة سالمة الهرم و مرضها المزمن لم يسمحا لها بمقاومة الفيروس المُهدى لها من فلذة كبدها ، ابنها الوحيد مسعود الذي اصيب هو الاخر بهذا الوباء اللعين . تركته لوحده يصارع المرض و غادرته دون حتى القاء نضرة أخيرة أو الحضور لدفنها  أو تقبل العزاء.  بقي لوحده يصارع فيروس شرير نجح في حرمانه من أمه بغبائه و استهتاره و تعنته
بقي لوحده يصارع المرض الذي سلبه حريته و هي أعز ما عنده و أن يجعل جسده يرتمي كقطعة قماش ممزقة  . 



الثلاثاء، 21 أبريل 2020

القصة الرابعة ضمن الخمسة الأوائل لمسابقة كتابة القصة حول كورونا / التلميذة مرام اللموشي


"ومن الجهل ما قتل"
مرام اللموشي /9 أساسي



كان العالم في وضع رائع لا يعيق هدوءه و انسجامه شي لكن بقدرته تعالى انقلب كل شي رأسا على عقب في وقت وجيز و أصبحنا كأننا نعيش داخل قصة رعب مخيفة.فقد ظهر فيروس اسمه "الكورونا"في وهان الصينية بسبب الطعام المقزز الذي يتناولوه هذا ما نشرته بعض وسائل الإعلام أما بعضها الآخر فقد أخبر أن السبب الحقيقي وراء ظهور هذا الفيروس هي غازات أطلقتها الولايات المتحدة الامريكية كي تعيق الحركة الاقتصادية للصين و تجعلها تخسر العديد من الأموال من خزينتها خلال هذه الازمة و هذا ما سيجعلها تستعيد مكانتها الاقتصادية التي افتكتها منها الصين و تبقى الاسباب وراء ظهور هذه الفاجعة التي زلزلت العالم مجهولة حتى الآن.لم يتوقع أحد أن هذا المرض سينتشر بهذه السرعة الفائقة و ظن البعض أنه سيظل حبيس مدينة وهان حيث تبين فيما بعد انه مرض معدي و خطير في نفس الوقت خاصة على الطاعنين في السن و الذين لديهم مرض مزمن و للأسف أن أعراض هذا المرض الخبيث لا تظهر الا بعد 14 يوم و لا يوجد له أي علاج حتى الآن. و مما يدعو النفوس للخوف أنه قد وصل إلى أوروبا حيث سجلت عدد الوفايات بسبب هذا المرض الآلاف أما عدد المرضى به فهو لايحصى و لا يعد خاصة في إيطاليا التي الاوضاع فيها خرجت عن السيطرة بسبب هذا المرض الذي يوشك أن يفقدها كل سكانها و تنقرض البشرية في هذا البلد فقد إنتشر فيها هذا الوباء بصفة غير عادية حيث انتهى بهم المطاف الى ان يرفعو أيديهم لله طالبين الرحمة فلم يعد لهم حولا و لا قوة.وما يرعب النفوس و يفزعها أن هذا المرض وصل الى البلدان العربية ايضا و من بينها تراب وطننا العزيز تونس. حن المغتربين الى وطنهم و طفقو شوقا لزيارة اهاليهم في هذه العطلة ولا احد يمنعهم من ذلك فهذا حقهم لكن الشيء الوحيد الذي طلب منهم هو أن يلتزموا بالحجر الصحي لبضعة أيام حيث إذا كانوا حاملين لهذا المرض يكتشفونه قبل أن ينشروه في حيهم و بين عائلتهم و أحبائهم.هناك منهم الواعين الذين يخافون عن عائلاتهم الى درجة انهم من حيث يصلون حتى يحجزوا انفسهم و يرفضون حتى التسليم على أقرب الناس إليهم و لا يختلطون بأحد ولكن هناك للأسف أناس لا يعون مدى خطورة المسألة و لا يلتزمون بأي إجراءات حتى يفوت الآوان أساسا عدد المصابين بتونس يزداد يوما بعد يوم بسبب هؤلاء الجاهلين وقد أثبت جارنا المغترب بإيطاليا أنه ينتمي الى هؤلاء الجهالين فقد عاد منذ شهر إلى تونس و قد ظننا أنه سيلتزم بكل الإحتياطات الازمة من أجل صحة عائلته و المحيط الذي حوله لكنه منذ صباح اليوم الموالي لليوم الذي عاد فيه رأيناه يتسكع في الشوارع و يرتمي مقبلا هذا و ذاك من أصحاب و أحباب غير مبال بأي شيء و قد طمأن الجميع أنه بخير لأنه لا يحمل أي أعراض لكننا لم نشعر بالراحة حتى أننا إشتكينا للسلطات المعنية لأنه لم يلتزم بالاحتياطات و كنا قد حاولنا إقناعه قبل ذلك ليلزم بيته لكنه لم يأبه لنا و أذكر أنه كان غاضبا كثيرا حين فعلنا معه ذلك و الحمد الله قد لزم بيته حتى و إن كان قسرا و ظننا أنه سيبقى في غرفة لوحده لمدة 14 يوم لكننا سمعنا من والدته أنه لم يرضى بذلك و سيجلس مع عائلته طوال هذه المدة لكن أمه ليعطها الله الخير و البركة قررت أن لا تخرج هي و ابنتها من البيت أبدأ لكي تطمان النفوس و يرتاح جميع من في الحي حتى إن كان إبنها يحمل هذا المرض فيضل حبيس بيتها لكنها كانت تبدو واثقة أن إبنها ليس مريضا.و في الليلة الثامنة من الحجر الصحي سمعنا سيارة الاسعاف تأخذ والدة جارنا الى المستشفى بسبب إنقطاع التنفس عنها و إرتفاع حرارتها و منذ أن حل الصباح حتى وصل خبر وفاتها فقد بينت التحاليل أنها مريضة بالكورونا و لأنها طاعنة في السن لم تستطع مقاومة هذا المرض و تغلب عليها كما تبين فيما بعد أن الابن و الابنة حاملان للمرض أيضا و لا شك أن الابن هو من من جلب معه هذا الفيروس و نقل العدوى لأمه و أخته.لا شك الآن أنه يعض أنامله ندما و يحترق قلبه أسا و حرقة لأن أمه ماتت بسببه و يتمنى لو أنه استمع إلينا لما كانت أمه تحت التراب الآن ولكانت ستعيش لتراه ببدلة العرس و أنه سيستطيع أن يضع إبنه في حضنها يوما ما فهذه كانت أمنيتها الوحيدة.ليس الى هذا الحد فقط فسيراوده الشعور بالذنب حتى يموت و سيلوم نفسه حتى يلتصق تراب القبر بعظامه كما أنه سيتعلم الدرس من هذا و لن يستخف بشيء مجددا لكن لم يعد ينفع الآن فقد فات الآون بعد أن فقد أعز الناس إليه وتسبب في نقل هذه العدوى للكثيرين في هذه المدينة بسبب تهوره في البداية سيعاني البعض كثيرا و سيموت البعض الآخر و سيكون ضحية لجهله و لربما اصبحت منطقته منطقة موبوءة و هذه تعتبر كارثة كبرى.أما أنت أيها المواطن العزيز لا تدع الآون يفت و إلتزم بالاجراءات الازمة و ان كنت آت من خارج البلاد ابقى في غرفتك و لا تخرج فكلها 14 يوما و ستمضي بسرعة و ليس بالشيء الكبير مقارنة بمعزة عائلتك وأحبابك.











السبت، 18 أبريل 2020

القصة الثانية من القصتين الثانيتين ضمن مسابقة كتابة القصة حول كورونا لليافعين/ حلا عراربة





وقع في زمن "الكورونا"


   من كان يظن؟... استفهام تبادر الى الأذهان. كل بطريقته وكل حسب درجة وعيه وفهمه لما نمر به.
   ان "لو" التي تعمل عمل الشيطان لا مكان لها هنا فلا أحد مذنب في هذه القضية ولكن "من كان يظن؟" استفهام احتل كل المساحات الممكنة وغير الممكنة.
   فمن كان يظن أن روتيننا اليومي الذي طالما تبرمنا وشكونا منه يصبح النعيم الذي نترجاه؟ ومن كان يظن أن وظائفنا التي تقينا الحاجة وتحفظ كرامتنا تصبح تريضا بعد ان كنا ننجزها مع شعور مسبق بالنصب والتعب؟ ومن كان يظن أن مقاعد الدراسة التي ملها مريدوها وتحينوا الفرص للتهرب منها تصبح أمنية مستحيلة في ظل هذه الظروف؟
    آه... نسيت مفارقة أخرى عجيبة غريبة أو لنقل من المضحكات المبكيات: فمن كان يظن أن الأعمال اليومية التي تسير على هامش حياتنا تصبح بين ليلة وضحاها مركز اهتمام كل فرد على مدار الساعة؟
   في بلدتي "نفطة" الجميع يعرف بعضهم بعضا مترابطون في نسيج مجتمعي غريب فبالرغم من الخلافات التي تنشب هنا وهناك بين هذا وذاك نساء ورجالا واطفالا الا أنهم حين الملمات يتناسون صراعاتهم ويتكاتفون في لحمة يصعب ان لم يكن يستحيل اختراقها.
   تدور الأحاديث عادة حول التمور وموسم " الذكار" وموسم الجني وسبل التصدير ... الى غير ذلك الا أنه مؤخرا لم يعد شغلهم الشاغل، لقد احتل أمر جلل حير أذهانهم وفرض نفسه على جلساتهم وما يتخللها من أحاديث، كل حوار يدور بين اثنين أو أكثر.
   هذه أوهذا، هذه،لا ... لا  بل هذا "الكورونا" وقد أضفت الألف واللام لأنه أصبح اسما شائعا غنيا عن التعريف شهرته عالمية فكل الشعوب تشخص اليه بأنظارها.
   بدأ الأمر في قارة بعيدة جدا مع عرق مختلف جدا وسبقته الينا سمعته سيئة الذكر. هذا الفيروس الذي أصبح بين ليلة وضحاها قاتلا متسلسلا مطلوب للمحاكمة صدر بحقه حكم مسبق بالاعدام ولكنه يحسن التهرب، كلما اقتربنا منه ينسل من بين أيدينا، يتخفى.
   في المنازل في الشوارع في المؤسسات المختلفة يتحدث الناس عن فيروس "كورونا" القاتل، الذي تفشى في الصين ليصبح وباء وجائحة عالمية، تركزت الأحاديث حول منبعه وحول الأمراض التي يتسبب فيها والأعراض التي تفضح وجوده.
   وتناولت مواقع التواصل الاجتماعي مسألة أخطر بكثير اذ أكد المختصون أن لا لقاح له ولا دواء قادر على القضاء عليه. وتكونت في بلدتي مجموعة من المتطوعين المدنيين هاجسهم حماية الناس وتوعيتهم وتقديم بعض الخدمات لهم.
    قامت هذه المجموعة بتوعية المتساكنين وتعريفهم الى الاجراءات الازم اتخاذها تحسبا لحلوله بيننا ومدت البعض منا بمواد مطهرة وقد نصت على ضرورة التعقيم الكامل لكل ما تصل اليه أيدينا وخاصة غسل الوجه واليدين بصورة متكررة خلال النهار وحتى جزءا من الليل وألزمت الجميع بضرورة الابتعاد عن التجمعات خارج المنازل.
   أعلن بعد ذلك حجر صحي عام فأغلقت أبواب المنازل واختفت جموع المتنزهين والمتسوقين، ألغيت الزيارات الاجتماعية والسوق الأسبوعية وفرغت المدارس من التلاميذ...
   خلت الشوارع وعم الهدوء والسكون المطبق المنطقة وأجبر الناس أنفسهم على البقاء في بيوتهم ووقع منح حق الخروج لفرد واحد من كل أسرة ولا يكون ذلك الا للضرورة القصوى.
    شعر الجميع بالاحباط، هل يجبرنا كائن مجهري على سجن أنفسنا وحصر نشاطاتنا والغاء حياتنا؟ لقد خضعت دول عظمى لارادته وانهارت اقتصاديات قوية وتناقلت وسائل الاعلام أنباء الارواح التي يحصدها يوميا وعمت حالة من الفزع النفوس وبتنا في انتظار كارثة تحل بنا لا محالة.
   في خظم هذه الظروف الاستثنائية كان البعض يجابه هذا العدو بالسخرية منه والتقليل من شأنه فكثرت التعليقات على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي وكانت الطرفة جزءا لا يتجزأ من سلاحنا ضد هذا الفيروس القاتل فمعنوياتنا مرتفعة والحمد لله خاصة وأن المجتمع المدني المصغر الخاص ببلدتي سارع، من خلال جمع التبرعات، الى تعزيز المستشفى المحلي والعاملين فيه بكل ما كان ينقص من المعدات المتخصصة في مقاومة الأوبئة المعدية والفتاكة...كما سارعت مجموعة المتطوعين الى جانب الجمعيات الخيرية المحلية الى تخزين المؤن التي ولا بد ستتحقق الحاجة اليها لاحقا، ووقع كذلك في الابان ربط الصلة بينهم وبين السلط المحلية والوطنية وخاصة ممثلي الجهة سياسيا من أجل البقاء على بينة من كل جديد مستجد.
   وجلسنا ننتظر.فنحن الآن أمام قضية أمن صحي فاما حياة واما ممات والأمر لم يعد يحتمل السخرية والاستهزاء بعد أن تناهى الى مسامعنا خبر وجود حالات حاملة للفيروس في بعض الجهات القريبة والبعيدة من البلاد التونسية.
   تمر الايام متشابهة قلت الحركة فيها شيئا فشيئا في الشوارع لتترك المجال لحياة البيوت بأجوائها الحميمية وأسرارها التي تحميها الجدران السميكة، الى أن جاء يوم استفاق فيه الجميع على خبر لم يعرفوا كيف يتعاطون معه: لقد عاد "طاهر" ابن الجهة الذي أضناه الاغتراب في ايطاليا، عاد بعد غياب طال سنوات وسنوات، وبالرغم وصول اخباره أولا بأول الى أسرته الا أن الشوق وجد قلوبا عشش فيها وسكن. مر الحدث مرور الكرام بالنسبة الى من كان بعيدا عن حدث العودة هذا، أما الجيران والأحباب فقد اجتمعوا ونصبت القدور بسرعة وذبحت الخراف وتفننت النسوة في تحضير الأكلات الشعبية فرحا بالعائد واحتفالا باللقاء. أما هو فقد غير ثيابه وتوجه صحبة ثلة من صحبه نحو غابة قريبة لاحياء الصلات القديمة وتحيين ألفة تعود الى عهد الطفولة والشباب.
   في حدود منتصف الليل شقت الفضاء أصوات صفارات الانذار فصعدت الجموع الى أسطح المنازل للتثبت والتقصي، يا لهول ما وقع، لقد تغافل أو تناسى الجميع عن قصد أو عن غير قصد ما تمر به البلاد من حضر صحي، واجراءات الطوارئ الحازمة، وما يتطلبه الوضع من حيطة للحفاظ على سلامة الجميع. لقد تناهى الى أعوان الصحة والسلط الأمنية والجهات المدنية المتطوعة خبر عودة طاهر وراعهم ما تأكد لديهم من مشاهد المصافحة والتقبيل والبكاء الناجم عن الفرح بلم الشمل ناهيك عن المسامرة والمآدب التي أقيمت من أجل الترحيب به ،فجاء الجميع، وفي لمح البصر طوقت مجموعة كبيرة من الجنود منزل أسرة المغترب وحيه ومنعوا دخول أو خروج أي فرد منن واليه . ثم وقع تدوين اسم كل من اقترب من طاهر وحصر الأماكن التي تجول فيها. أخذوه الى الحجر الصحي ووضع الجميع قيد المراقبة.
   غادرت السيارات في طابور طويل يصور بأضوائه وصوت صفاراته هول المشهد الحاضر ويضع في الأذهان صورا لاحتمالات كثيرة ممكنة في القادم من الأيام. انتظر الجميع نتائج التحاليل المخبرية وعلى رؤوسهم الطير وحصل ما لم يكن في الحسبان لقد كان الحبيب العائد حاملا للفيروس وما تهاونه وضربه لعرض الحائط بكل النصائح الموجهة اليه الا لانه لم تظهر عليه الأعراض بعد فلا حرارة مرتفعة ولا ألم ولا سعال. وللأسف الشديد كان قد نقل العدوى الى مجموعة موسعة من أفراد عائلته وجيرانه.
   خيم الحزن على الاهالي، ان العدو الذي حسبوا له ألف حساب وأوصدوا في وجهه الأبواب وجد سبيلا اليهم فبات فيهم يهدد كيانهم وطمأنينة قلوبهم وحبهم للحياة. تواصلت الأيام السوداء، كما سماها البعض لاحقا، فتوفي من كان متقدما في السن ذو المناعة الضعيفة، وخلف وراءه حزنا وحيرة:ترى من سيكون التالي؟ ولمذا؟
   بعد ذلك بحوالي نصف شهر أو أكثر سمعنا أن من شفي عاد الى منزله وأن الفيروس لم يعد له وجود في بلدتنا ولمزيد الحيطة وقع غلق كل المنافذ وتثبيت حراسة مشددة طيلة الليل والنهار حتى لا نغدر ثانية. تعالت على اثر ذلك الاصوات مطالبة بالعودة الى حياتنا العادية التي الفناها في الماضي ولكن الخطر مازال محدقا بالجميع ولازالت كل القوى مستنفرة فلا مجال لقطع الحجر الصحي في الوقت الراهن، ومع ذلك انتشرت الموجات الايجابية بين سكان البلدة وعادت اليهم الطمأنينة التي افتقدوها لايام طويلة وبات المار ،بسرعة نحو مقصده، يسمع أصوات الضحكات خلف الأبواب الموصدة ويتنسم روائح الأطعمة التي لا تعترف بانغلاق الأبواب وارتفاع الجدران.
   الزمن: السادسة مساء...الشمس مازالت لم تمل الى الغروب بعد، فالطقس ربيعي. رائحة عطر فاخر انتشرت في الهواء وتسللت الى أنفي، صوت طرقات حادة على باب أحد المنازل المجاورة. فتحت النافذة المطلة من عل على الشارع لاستطلع الأمر. عشرات النوافذ شرعت وأطلت منها الرؤوس: انه عائد آخر من وراء البحار. وامتدت يدي مع من امتدت من الأيادي في لهفة وسرعة الى الهواتف....

                                                                   حلا عراربة : نفطة في 04 أفريل 2020