إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 22 أبريل 2020

القصة ذات المرتبة الخامسة ضمن مسابقة كتابة القصة لليافعين حول الكورونا / أديان بنزعرة


هدية العم مسعود القاتلة
تأليف : أديان بنزعرة/8 أساسي

  الحي على غير عادته يكاد يخلو من اهله و الاطفال الا ما ندر . أنا و أختي جالسين على عتبة المنزل . اذ بسيارة فارهة ، يُفتح الباب و يخرج منها رجل ثلاثينيٌّ ذو لباس غربي . يا لسعادتي انه جارنا مسعود ابن الخالة سالمة ، المغترب بايطاليا عاد في زيارة غير اعتيادية لأمه . لوح بيده لنا محيّا و الابتسامة تعلو وجهه . حييناه بدورنا و اسرعنا بالدخول الى المنزل لإخبار والدينا بمجيئه و الفرحة لا تسعنا ، فقد عودنا بهدايا جميلة . إلا أن ردة فعل ابي و أمي فاجأتنا فقد أمرانا بحزم بعدم الاقتراب منه و الامتناع كليا عن زيارته.  
سألنا عن السبب فقالا لنا انه بسبب فيروس " كورونا " الذي يهدد البشرية في كامل اصقاع العالم ، و خطورته في سرعة انتقاله من شخص مصاب أو حامل للفيروس الى شخص آخر عن طريق اللمس أو انتشار رذاذ سعال المصاب في الهواء أو لمس اشياء لمسها حامل للفيروس
اضافت أمي :" المشكلة يا ابنائي انه لا يوجد دواء و لقاح لهذا الوباء الفتاك و لكن الوقاية خير من العلاج اذ لابد من غسل اليدين كما اوصيتكما دائما بالماء و الصابون و لعدة مرات في اليوم و عدم مصافحة ايّن كان أو تقبيله و عدم مغادرة البيت الا للضرورة ".
أردف ابي قائلا : " لهذه الاسباب لا تقتربا من جارنا مسعود فهو عائد من بلاد موبوءة خذا حذركما عزيزيّا ".
كان العم مسعود قد دخل بيته و ارتمى في أحضان امه يقبلها بحرارة علها تلك القبلات تطفأ نار الغربة و قسوتها . أخذ يحدثها عن الحياة في ايطاليا اصبحت لا تطاق ، خاصة الحي الذي كان يقطن فيه ، بسبب الفيروس و انحباسهم في البيوت . الامر لم يتعود عليه و لم يقبله فقرر العودة الى بلده و التمتع بالتجوال فيها و السهر مع الاحباب و الاصحاب .
عند خروج العم مسعود من منزله و جد بعض الجيران الذين رحبو بقدومه دون الاقتراب منه و نصحوه بالاتزام بالحجر الصحي ببيته و عدم مخاطة أي شخص الى حين طلب الرقم 190 و استدعاء فريق طبي لفرض تفحصه علّه مصاب بفيروس " كورونا " . الا أنه قال لهم أن السلطات الصحية بالمطار قامت بقياس حرارة جسمه و سمحت له بالدخول الى تونس و العودة الى البلدة . لكن أحد جيراننا أكد له أنه يمكن أن يكون حاملا للفيروس دون ان تكون عليك عوارض المرض لذلك ما ضرّ لو مكثت ببيتك اسبوعين فقط بغرفة لوحدك و نحن سنقوم بكل شؤونك و مستلزماتك أنت و أمك المسنة.
تجاهل العم مسعود كل محاولات النصح له و ركب سيارته و اخذ يتجول في كل شبر من بلدته الصغيرة يصافح الاصدقاء و الاحباب و يزور الأقارب بيتا بيتا ثم يتوجه الى المقهى فقد أخذه الشوق الى خلان الصبى ليقضي معهم وقتا في لعب الورق . و في طريق عودته الى المنزل مر بالسوق اين اشترى بعض مستلزمات الطعام من خضر و غلال.
بقي العم مسعود على هذه الحالة كل يوم يغادر المنزل و لا يعود اليه الا في المساء .
كان يسعل بين الحين و الآخر و يعطس و لكن ارجع ذلك الى تغير الطقس عليه و كثرة تغيير ملابسه لذلك لم يعر حالته الاهتمام الكافي.
بعد اسبوع كامل من عودته بدأت حرارة جسم الخالة سالمة بالارتفاع  و أخذ تنفسها يختنق بشدة مع سعال جاف . عند عودته وجد العم مسعود أمه تنتفض انتفاضا. أسرع بها الى المستشفى بقسم العناية المركزة ، أين فارقت الحياة بعد سويعات قليلة.  
جسم الخالة سالمة الهرم و مرضها المزمن لم يسمحا لها بمقاومة الفيروس المُهدى لها من فلذة كبدها ، ابنها الوحيد مسعود الذي اصيب هو الاخر بهذا الوباء اللعين . تركته لوحده يصارع المرض و غادرته دون حتى القاء نضرة أخيرة أو الحضور لدفنها  أو تقبل العزاء.  بقي لوحده يصارع فيروس شرير نجح في حرمانه من أمه بغبائه و استهتاره و تعنته
بقي لوحده يصارع المرض الذي سلبه حريته و هي أعز ما عنده و أن يجعل جسده يرتمي كقطعة قماش ممزقة  . 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق