إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 25 فبراير 2020

كتّاب من نفطة: المرحوم الدكتور صالح باجيّة


جهود الشيخ صالح  بن اسماعيل باجية   في إبراز التراث الإباضي  لمنطقة الجريد التونسي(*)
خالد العقبي



بسم الله الرحمان الرحيم
و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين

جرى المثل القائل "ادخلوا البيوت من أبوابها" مجازا  للدلالة على وضوح السبيل        و جلاء المسالك  و صدق النية  في  التعاطي مع الموضوعات  و مشروعية تناولها     و لعل موضوع التراث الإباضي وهو مذهب عريق    و أصيل من مذاهب المسلمين  لا يستقيم  طرحه و معالجته  في أيّ منطقة  من مناطق انتشاره إلا من خلال أبواب واضحة  و معلومة من أبواب العارفين  به و المتضلعين في تاريخه و تفاصيل مقارباته الفقهية   و العقائدية  و الملمين بمناقب أعلامه و رموزه.
لذلك يعتبر المرحوم  الدكتور صالح بن اسماعيل باجية  بابا عاليا من أبواب العلم بتراث الإباضية  في منطقة الجريد التونسي و رائدا من رواد كشفه لما بذله من جهود في نفض الغبار عنه و عن سير  أعلامه  و في تصحيح ما التبس حوله     و في العمل على إعادة الاعتبار الاجتماعي  لذلك المكون الأصيل من مكونات  التاريخ المحلي الوسيط لمنطقة الجريد  حيث كانت  اجتهادات الشيخ في هذا المجال  ذات بعدين أساسيين :
·       بعد معرفي بحثي أكاديمي جسده بحثه الشهير حول"الإباضية بالجريد"
·       بعد إحيائي تواصلي  اجتماعي جسدته علاقاته الواسعة مع الأوساط العلمية الإباضية في تونس و ليبيا و الجزائر و سلطنة عمان.
سنحاول من خلال هذه المداخلة المقتضبة تسليط الضوء على هذين البعدين  تكريما للفقيد و إشادة بجهوده و إحياء لذكراه في هذه المناسبة الطيّبة التي طالما انتظرها      و تمناها و عمل لها.


تعريف موجز بالفقيد:
ولد الشيخ صالح بن اسماعيل باجية  الحزامي  بمدينة نفطة  في 01 فيفري 1928             و دفن بها  بعد وفاته بمدينة قفصة  في 24 ديسمبر 2011 .
تعلم كغيره من أبناء جيله في الكتاب ثم التحق بما كان  يعرف بالمعهد العربي الفرنسي إبان الفترة الاستعمارية ليتحصل على الشهادة الابتدائية  سنة 1943 ثم التحق بالمدرسة الفلاحية  بسمنجة التابعة لمعتمدية بئر مشارقة  من ولاية زغوان. احتك برجال الثقافة       و الأدب من أمثال المرحوم الشاعر مصطفى خريف خلال عمله في محل للحلاقة في أثناء دراسته.واصل تعلمه بجامع الزيتونة  المعمور حتى حصوله على شهادة الأهلية  ليشارك  في مناظرة لدخول معهد ترشيح المعلمين.
واصل دراساته العليا  بكلية الشريعة و أصول الدين بتونس فقدّم سنة 1976 ببحثه المعروف "الاباضبة بالجريد" للحصول  على شهادة الكفاءة للبحث العلمي ثم قدّم سنة 1979 أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه الدرجة الثالثة  تحت عنوان
"عبد الحق بن عطية  و تفسيره المحرر الوجيز" و قد أشرف على بحثيه الأول               و الثاني الدكتور علي الشابي.
بدأ حياته المهنية كمعلم لمدة 4 سنوات  فمدير مدرسة بمسقط رأسه  بنفطة لمدة 8 سنوات ثم انتقل إلى العاصمة ليشغل مديرا لإحدى مدارس المدينة العتيقة  لمدة 6 سنوات  ثم أستاذا بالمعهد الأعلى  للرياضة بقصر السعيد لمدة 4 سنوات  فأستاذا جامعيا بالجامعة الزيتونية لمدة 5 سنوات و بعد حصوله على التقاعد المبكر في سن 57 سنة انتقل عن طريق التعاقد للعمل كأستاذ محاضر بمعهد السلطان قابوس للدراسات الإسلامية بصلالة بسلطنة عمان.

الشيخ صالح بن اسماعيل باجية و كتابه "الإباضية بالجريد":
يعتبر كتاب "الإباضية بالجريد " سبقا أكاديميا في وقته كسر العزلة البحثية عن التاريخ المحلي لمذهب ظل لقرون مستبعدا و مهمشا  بل و مدانا بروايات تاريخية ملتبسة          و مشوّهة.
يقول الدكتور علي الشابي في تقديمه للكتاب:
لقد جلى السيد صالح باجية  و هو أصيل نفطة تاريخ الاباضية و عقيدتهم بالجريد في العصور الإسلامية الأولى خير تجلية  و أفاد من المصادر الأساسية و من  المراجع الحديثة في يقظة عقلية و نقد للروايات و مقابلة للنصوص بعضها ببعض أعطت لعلمه أهمية  خاصة باعتبار إن هذا الموضوع بكر و لم يتناوله الباحثون...
و قد تصدّرت الكتاب مقدّمة  نقدية طريفة لسعادة سفير سلطنة عمان بتونس  وقتها الأستاذ محمد حمد الحارثي ما يبرز الحرص منذ البداية على النواحي التواصلية فكان الكتاب فاتحة لما يعرف اليوم بالدبلوماسية الثقافية.
ثم تلا تلك المقدمة الشرفية مقدمتان الأولى للأستاذ المشرف على البحث الأستاذ علي الشابي و الثانية للمؤلف ضمنها مبرراته لاختيار هذا المبحث معللا ذلك برغبته في إبراز مدى التنوع المذهبي و العقائدي ببلاد الجريد       و محورية المذهب الإباضي في تشكيل ذلك التنوع و ثرائه .يقول الدكتور صالح باجية في مقدمته:
و أثناء دراستي بالجامعة و عند مطالعتي استرعى انتباهي ظهور النزعات المختلفة ببلاد الجريد  من سنية و شيعية و خاصة الإباضية  الذين اهتممت  بالبحث عن أمرهم  لأنهم لعبوا  دورا هاما  مجهولا  بتلك الربوع وكانت المعلومات على تلك الفرقة  قليلة نادرة  تذكر في  كثير من الغموض  و الاجمال لا يعطي عنها  أية صورة  تقربها  من الحقيقة  بل تقدم في اقتضاب  مجحف  مقرون بالشتم أحيانا      و في ذلك غمط لفرقة كانت لها  نواح إيجابية  لا شك فيها  و ارتبطت أحقابا بحياة الجريد و تاريخه.
و قد توفق المرحوم في قصده فشكل كتابه مرجعا  لا غنى عنه في معرفة تاريخ و تراث الإباضية في الجريد حيث قسمه إلى خمسة فصول تناول فيها بدرجة عالية من الدقة العلمية و التوثيقية  التعريف  ببلاد الجريد                و مكوناتها الإثنية       و المذهبية  في الفصل الأول و ملامح ازدهار المذهب الإباضي ببلاد الجريد في الفصل الثاني و صلة الإباضيين في الجريد بالساسة     و السياسة في الفصل الثالث.
ثم تناول الحياة الثقافية  و الاجتماعية  للمجتمع الإباضي بمنطقة الجريد في الفصل الرابع و أخيرا قدّم جردا لبعض التراجم لشخصيات إباضية جريدية  في الفصل الخامس. و أثرى كتابه بعدد من الفهارس المتصلة بالأماكن           و الشخصيات  و القبائل   و الدول  و الجماعات  و الأديان و المذاهب          و الفرق و التصويبات      و الملاحق.


 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*ألقيت هذه المداخلة ضمن ندوة "السير الإباضيّة  " حول العلاّمة أبي العبّاس الدرجيني  المنعقدة بمدينة نفطة  بتاريخ 28/29/30 أكتوبر 2016



















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق