إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 21 فبراير 2020

كتّاب من نفطة: د.صالح بن رمضان



زخم الذاكرة و هاجس الانتماء  في رواية "أمّ الحسن..."                              للدكتور صالح بن رمضانّ(*)
خالد العقبي
يأتي احتفائي الشخصي برواية الدكتور صالح بن رمضان البكر "أمّ الحسن..." الصّادرة في مفتتح سنة 2015 عن دار صامد للنشر ضمن سلسلتها السرديّة الجديدة "شبابيك" انطلاقا من استجابة تلك الرواية المتميّزة  لمشغل شخصي يتصل   بما بات يعرف  بأدب الذاكرة ، و هو الأدب الذي يتمحور أساسا حول ذاكرة المكان كمدخل لإحياء حميميّة  العلاقات الانسانية التي محورها الذاكرة الجماعية في علاقاتها المتشعبة بالذات  و بالأسرة    و بالموطن و بالآخر... و في تفاعلها مع المحيط المكاني   و الزماني   و التحوّلات القيميّة و الذوقيّة و المزاجية  و قد شرّفني الكاتب بمصافحة شخصيّة مفعمة بروائح المودّة الجريديّة الأصيلة عندما أرسل لي أربع نسخ من إصداره هديّة لجمعيّة حلقة نفطة للثقافة   و الإبداع التي أرأسها  و تحمل إحداها إهداء  شخصيا جميلا جاء فيه:
الصديق العزيز  ،  خالد العقبي، عربون  وفاء لبلاد الجريد و لكل مثقف أصيلي و أنت لك في القلب معزّة و سمعة ممتازة   و إلى لقاء قريب...أخوك صالح بن رمضان في    23 /01/2015 ".
فكان هذا الإهداء كفيلا بأن أحتضن الرواية بحرارة عاطفية أكبر و بحساسيّة وجدانيّة أعمق و بشغف ملحّ لقراءتها سريعا....
كنت التقيت الدكتور صالح بن رمضان في مناسبتين ،  الأولى كانت بمدينة سوسة في  صائفة سنة  1998 خلال مشاركتي في المدرسة الصيفيّة لفائدة معلّمي اللغة العربيّة   و الثانية كانت في سنة 2004 على ما أظنّ بالمعهد الأعلى للتربية و التكوين المستمرّ حين كنت أزاول الدراسة  لنيل  الإجازة في علوم التربية و كان هو يدرّس بعض الوحدات   لطلبة شعبة العربيّة . و دار الحديث بيننا في اللقاءين عن نفطة  و بلاد الجريد و حنينه الدّائم لزيارة أرض أجداده التي قاسمتها المناجم احتضانهم   و أذكر أنّه أسرّ لي برغبته الجادّة في الاستقرار بمدينة نفطة حال تقاعده بعد أن يشتري منزلا على الطراز الجريدي العتيق...
 استحضرت تلك الأحاديث المقتضبة و أنا أتتبّع محطّات حياة  "منصف عزوز" بطل الرواية  الذي تماهى بلا شكّ مع شخصيّة الدكتور صالح بن رمضان في نواح كثيرة
ميّزها تقابل جدليّ حادّ و متواتر و مهيمن  ، تقابل بين الماضي و الحاضر        و بين الشمال        و الجنوب في مستويين (شمال الوطن و جنوبه و الشمال المقصود به أوروبا و الجنوب المقصود به العالم الثالث أو النامي) و في بعدين متوازيين( البعد الحضاري /الثقافي و البعد الاقتصادي /الاجتماعي  )  و بين جيل الكهول و جيل الشباب و بين الموت و الحياة (المآتم الخصبة)      و بين الخصوبة و العقم(أشجار الحديقة، الواحة  و الصحراء، قلّة النسل...)...
و لعلّ هذه الجدليّة  المهيمنة على سيميائيّة النصّ  هي نفسها الجدليّة  المهيمنة في بنيته السرديّة  و الأسلوبيّة  فنرصد جدليّة التجريد الروائي            و مباشرة السيرة الذاتيّة ، جدليّة  الانسياب السردي و الاستطرادات الاسترجاعيّة ، جدليّة التأمّل الفلسفي   و المباشرة الحكائيّة  جدليّة المحلّي     و الكوني و جدليّة الحلم و اليقظة كلعبة إحالات  اعتمدها الكاتب  بكثافة  خاصة في آخر الرواية...
أمّا ما يؤثث أعراس الحنين في  هذه الرواية فهي فواكه منتقاة من الذاكرة الشخصيّة      و الجمعيّة ، ذاكرة المكان و الزمان و الذات و الذوق  و المشاعر و الشخوص           و الأحداث ، فقد كثّف بن رمضان هذه الفواكه       و مزجها لتصبح "كوكتالا"  من "النوسطالجيا" المنعشة تمتدّ مكانيا من نفطة في أقصى الجنوب الغربي التونسي إلى تولوز(جنوب فرنسا) و تمتد زمنيا من تاريخ عرش دريد و وفود بني هلال على تونس إلى حدود الألفيّة الثانية مع تركيز على الجيل الذهبي لعقدي الستينيات و السبعينيات من القرن الماضي (جيل الأحلام الكبرى) و تمتد ذاتيا من ولادة البطل   و ملابساتها في بلاد الجريد إلى حدود وفاته بمرض السرطان في العاصمة و تمتد ذوقيا و جماليا من تثمين الموسيقى الكلاسيكيّة التونسية التي استمدت الرواية عنوانها من إحدى الأغاني الخالدة لعلامة بارزة من علاماتها الشعبية (المرحومة صليحة) إلى ألوان من الموسيقى الغربيّة    و خاصّة موسيقى جيل ثورة الشباب سنة 1968...
و توظّف هذه الذاكرة المستحلبة  و المستخلصة بعناية   في  مقابلات  معياريّة بين الأجيال ليس لها من غاية سوى إنصاف كلّ جيل بما اختصّ به  من أمزجة و قيم  غير متنافرة     و غير متصارعة بل  متكاملة  و متعايشة       و لم ينزع بن رمضان إلى  بناء روايته على صراع الأجيال و تنافرها  يدلّل على ذلك  علاقة الشخصيات المنتقاة  بالبطل  ، إنصاف ،  سلفان (يوسف ) ، ناجي ، كما لم ينزع إلى إظهار الصراع الحضاري الغربي/الشرقي بل  جعل بين الحضارتين ترابطا ماديا و ثقافيا فجعل من المصاهرة       و الإنجاب من أجنبية حالة ارتباط و تواصل عضوي كما جعل من الحس الفني          و الجمالي حالة ارتباط و تواصل روحي و معنوي فربط بالإنسان  عوالم تبدو متنافرة     و متمايزة و متناقضة حضاريا جمّعها في شخصيات عاشت العزلة القسرية لكنها التقت  في الأخير و تآلفت حضاريا رغم الاختلاف.


 الدكتور صالح بن رمضان في سطور:
أصيل مدينة نفطة و عاش و درس في المناجم.
 هو  أستاذ الدراسات العليا للأدب العربي بجامعة منوبة  و بكلية  اللغة العربية بالرياض بالمملكة العربية السعودية  ، و مستشار بمركز دراسات اللغة العربية            و آدابها بجامعة الإمام متخصص في  مناهج تحليل الخطاب و تطبيق اللسانيات التداولية على الأدب.
من كتبه:
·       أدبية النص النثري عند الجاحظ( منشورات سعيدان تونس1993)
·       المعري و رسالة الغفران(دار اليمامة للنشر تونس 1993)
·       الرسائل الأدبية و دورها في تطوير النثر العربي ، مشروع قراءة شعرية(منشورات كلية الآداب  منوبة 2001 و دار الفارابي ببيروت  2007)
·       الخطاب الأدبي و تحديات المنهج(منشورات نادي  أبها الأدبي 1431ه)
·       التواصل الأدبي من التداولية إلى الإداراكية (منشورات النادي الأدبي بالرياض و المركز الثقافي العربي ببيروت 2015)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق