إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 5 يونيو 2009

اليوم العالمي و الوطني للبيئة: تقرير حول الوضع البيئي بنفطة



نفطة : بيئة مدمّرة و آمال مفتوحة
تقرير من إعداد خالد العقبي بمناسبة اليوم العالمي للبيئة
(5 جوان2009)

مقدّمة

خسرت نفطة خلال العقدين الأخيرين ما تجمّلت به طيلة قرون من مقوّمات بيئيّة رائعة و فريدة ميّزتها عيون الماء المتدفّق و الواحة الأكثر جمالا في العالم إضافة إلى خلوّ المدينة من كل مظاهر التلوّث و الانحراف العمراني متميّزة ببساطتها الأصيلة النابعة من تجارب أجيال راكمت على مدى آلاف السنين خبرات لا بأس بها في الزراعة و المعمار و الحرف و الصناعات التقليديّة التي ترتكز إلى مواد محليّة المصدر...
تلك المدينة الساحرة على مشارف الصحراء الكبرى لم تلهم الشعراء من أبنائها فقط بل جلبت لنفسها إعجابا منقطع النظير من كلّ زائريها الأجانب رحّالة و كتّابا و صحافيين و شعراء و رسّامين و مغامرين و سنمائيين... بحيث ذاع صيتها عالميا و تكرّر ذكرها في كتب الإرشادات السياحيّة و لا تكاد تغيب عن أيّ مصنّف يتناول السياحة الصحراوية...
غير أنّ تغيّرات عديدة عرفتها المدينة منذ تسعينيات القرن الماضي جعلتها تفقد بريقها البيئي و تتشوّه مميّزاتها المعماريّة و يخبو وهجها السياحي ممّا أثّر سلبا في ظروف حياة سكّانها و ضاعف من مصاعب الحياة فيها بشكل دراماتيكي نفّر الشباب من الاستقرار فيها و جعلها تخسر كفاءاتها من أبنائها المتعلمين الذين ظلّوا يغادرونها إلى المدن الكبرى بحثا عن فرص عمل أحسن و حياة أفضل.

التدهور البيئي : الأسباب , المظاهر و الحلول :

مثلما كان الماء سبب وجود واحة نفطة و سرّ بقاءها و استمرارها فإّنّ نقصه هو أيضا السبب الأوّل و المباشر في تدهور مقوّماتها البيئيّة , فنضوب مياه الوادي نهائيا في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي كانت العلامة الفارقة بين نفطتين تميّزت الأولى بالخضرة ووفرة المحصول و تنوّع الزراعات و الاكتفاء الذاتي من الغلال و الخضروات و تميّزت الثانية بالقحط و أمراض النخيل و ضعف المحاصيل و تراجع الزراعات البينية و استجلاب الخضروات و الغلال من الجهات الأخرى...و يرجع الرأي العام المحلي غور عيون الماء و "موت الوادي " إلى ثلاثة أسباب رئيسية :
1) المشاريع المدمّرة التي أنجزتها الدولة (وزارة الفلاحة ) في الستينيات عندما مدّت قنوات و سدّت العيون بالصخور و الإسمنت لنقل الماء عبر شبكة من السواقي الاسمنتية و ذلك تحت شعار ترشيد استهلاك الماء و توزيعه و لكن بنيّة بيعه لصغار الفلاّحين ...
2) تعمّد بعض الفلاّحين بمنطقة العيون سدّ منابع الماء الطبيعية بغاية توسيع مساحاتهم الزراعيّة على حساب المجرى الطبيعي للوادي.
3) حفر آبار ارتوازية و عميقة كثيرة استنزفت المائدة المائية و أضعفت منسوب الوادي إلى حدّ الغور و الانقطاع.

و بذلك شكّل غياب الوادي نهائيا عن مشهد الحياة اليوميّة في نفطة انتكاسة بيئيّة حقيقيّة اعتبرها كبار السنّ خاصّة كارثة بأتمّ معانى الكلمة , و بالفعل فقد ظهرت آثار تلك الكارثة في تغيّر مناخ نفطة الذي ازداد حرارة و جفافا لم يعد السكّان يقوون على تحمّله راهنا لعدّة أسباب من أهمّها :
* انعدام أيّ مرفق بديل عن الوادي , فقد أهمل المسبح البلدي الذي أنشء في السبعينيات و لم تعد البلديّة تكترث لحاله بتعلّة ارتفاع كلفة ترميمه و إدارته.
* تغيّر نمط المعمار بعد اللجوء إلى المواد الإسمنتية في موجة التجديد العمراني التي شهدتها نفطة عقب فيضانات سنة 1990 و انقراض المواد المحليّة (الطوب , الطين , الجبس العربي, أخشاب النخيل...) الماصّة للحرارة و المتأقلمة مع المناخ إضافة إلى عمليّة التعبيد و التبليط التي عرفتها أغلب أزقة نفطة و التي وفّرت أرضيّة عاكسة للحرارة ..
* اللجوء المتزايد إلى وسائل التبريد الكهربائية المستنزفة لميزانيات السكان الضعيفة أصلا لارتفاع كلفتها دون أيّ أسعار تفضيليّة في فصل الصيف..

و لئن كان هذا الجانب من التدهور البيئي يعود في أغلبه إلى أسباب طبيعيّة فإنّ المسؤوليّة البشريّة عن مظاهر أخرى لذلك التدهور تبدو أكثر شراسة و كارثيّة حيث تتحمّل البلديّة و السكّان بدرجة ثانية الجانب الأكبر من المسؤوليّة عنه من ذلك :

* إزالة المساحات الخضراء التي أقرّت بصفتها تلك في مخططات التهيئة العمرانيّة التي أعدّتها البلديّة و استبدالها بالبلاط الاسمنتي أو بنصب و تماثيل كثيرا ما تتناقض مع الذوق العام و يبرّر ذلك بنقص مياه الريّ.
*عدم مواكبة البلديّة للتغيّرات المناخيّة و الإيكولوجيّة المتصلة بمعالجة المستنقعات في الواحة قبل تفريخ أسراب البعوض مما جعل سكان نفطة أواخر الربيع من كل سنة تقريبا يعانون من ظاهرة البعوض الذي يحمل معه أصنافا خطيرة ك "الشمنيوز" التي لم تكن معروفة من قبل و تسبب سنويا إصابات خطيرة لا سيّما عند الأطفال.
* رمي فضلات البناء و الأوساخ في مجرى الوادي القديم تحت قنطرة وادي البورة دون تدخّل من البلديّة لمنع ذلك أو تنظيفه.
* توقف الحضائر البلديّة العاملة في مجال تنظيف الأزقّة مما راكم من الأوساخ في الطرقات و الأنهج يزيدها أحيانا عدم انتظام مرور الجرّار الوحيد في البلدة تراكما و فوضويّة ...
* يصمت السكّان بدوافع الاحترام المتبادل بين الجيران و للضرورات الاقتصادية التي تعتبر تربية الماشية ( الأغنام و الماعز أساسا ) من أهمّ مظاهرها في مدن شبه فلاحيّة كنفطة , عن المشاكل الصحيّة التي تنتج عن تربية تلك الحيوانات في محلاّت السكنى من روائح و حشرات في ظلّ ضعف الرقابة البيطريّة التي من المفترض أن تقوم بها البلديّة متعاونة مع مصالح الفلاحة .

أبواب الأمل تنفتح لمستقبل بيئي أفضل :

بالتأكيد يعتبر التراجع البيئي بنفطة كبير جدا فلا أمل في عودة الوادي إلى سالف عهده و رغم ذلك لا يمكن النظر إلى ما يحصل في هذا المجال بعين واحدة فالجهود على محدوديّتها ملحوظة للحفاظ على ما تبقّى نذكر منها :
- حضائر الغابات التي يعمل فيها عشرات العمّال في ظروف قاسية و بأجور منخفضة و هي تساهم منذ سنوات في مقاومة زحف الرمال و الحدّ من التصحّر بإقامة أحزمة من مصدّات الرياح حول الواحة و يذكر مشروع الحزام الأخضر حول الجانب الشمالي الغربي من نفطة كنموذج ناجح لجهود الحماية من زحف الرمال الذي يهدّد المدينة .
- مشروع تهيئة منطقة رأس العين الذي تظافرت فيه جهود وطنية و دوليّة لإعادة جمالية تلك المنطقة و هو ما يشكل بحق تحوّلا فارقا نحو الوعي بالمخاطر و العمل الميداني على تجاوزها.
- انبعاث عديد الجمعيات العاملة في المجال البيئي و الحضري مثل :
1) جمعيّة صيانة المدينة التي تعاني للأسف الشديد من الركود و عدم الحيوية و ضعف المبادرة لأسباب هيكليّة تعوقها عن تقديم الإضافة حتى الآن في مجال إنقاذ الموروث المعماري التقليدي و المعالم القديمة بنفطة .
2) نادي "اليونسكو و الألكسو "بنفطة الذي يشرف على مشروع رأس العين و يقوم بجهود ملحوظة للعناية بعديد القضايا البيئية التي تهمّ الواحة .
3) الجمعيّة المحليّة لحماية البيئة و المحيط بنفطة ALPENالتي يعوّل عليها في إحداث طفرة نوعيّة في التعاطي مع المسألة البيئية بنفطة بما أعلنته من مشاريع طموحة في هذا المجال لا سيّما مشروع استغلال الطاقة الشمسية المعروف بـ"شمس نفطة ".

الممكن و المستحيل في حلول المشاكل البيئيّة بنفطة :

إنّ هذا التقرير التحسيسي لا يروم غير الإشارة للوضع كما هو في سبيل الجهود المبذولة للغحاطة بالمسألة البيئية بنفطة فلا علاج بدون تشخيص و لا حلول بلا مقترحات و تصوّرات , من هذا المنطلق تعتبر هذه الورقة مدخلا لنقاش أوسع و أشمل بأت الآن تتوفّر المنابر له بجديّة و مسؤوليّة ( الندوة الكبرى حول الواحات و مقاومة التصحّر التي عقدتها الجمعية المحليّة لحماية البيئة بنفطة في 16 ماي 2009) و إثراء لهذا النقاش نسوق هذه الملاحظات و المقترحات :
أ‌) ضرورة توحيد جهود جميع الفاعلين في المجال البيئي ببعث إطار تنسيقي مستقل و منفتح على كلّ الكفاءات المحليّة و البحث في صيغة مثلى لهذا الإطار كأن يكون "مجلسا محليا للبيئة "يرتبط ضرورة بمسألة التنمية المستديمة و استحقاقاتها.
ب‌) التركيز على أن تكون جهود العمل في المجال البيئي موجهة إلى خدمة التنمية المحلية و إنعاش أسباب العيش في نفطة و خلق مواطن الشغل و استغلال الموارد المحليّة و أهمّها الواحة حتى لا يكون العمل البيئي مجرد شعارات جوفاء لا فائدة منها .
ت‌) تكثيف الجهود في المؤسسات التربوية في اتجاهين ,الأول يحسس بالقضايا البيئية المطروحة عالميا في الوسط المدرسي (كالاحتباس الحراري و التغيرات المناخية ) , و الثاني يحسس بالقضايا البيئية المحلية و يثمن المعطيات المحلية و يصالح الأجيال معها لا سيّما تغيير النظرة إلى الواحة و العمل الفلاحي .
ث‌) تشجيع الانخراط التلقائي للمواطنين في عمليّة تجميل المدينة ببعث الحدائق العائليّة و الاعتناء بالأشجار المغروسة أمام المنازل
ج‌) تكفّل الجمعيات العاملة في المجال البيئي برصد الانتهاكات البيئية بنفطة و رفعها إلى الجهات المعنيّة لا سيّما البلديّة التي عليها أن تلعب دورا أكثر حيويّة في هذا المجال .
ح‌) ضرورة انخراط جمعيّة صيانة المدينة و تكثيف الأنشطة و التدخلات الجديّة في مجال المحافظة على المعالم المعماريّة القديمة بنفطة مثل البراطيل و حتّى بعض الدّور القديمة و العناية بالأسواق ( تسقيف سوق الرّبع مثلا) .
خ‌) تشجيع الاستثمار البيئي السياحي منه و الترفيهي بتجنّب العراقيل الإداريّة و الإجرائيّة و تشجيع الانتصاب مع تشريك المستثمرين في الشأن البيئي تمويلا و تصوّرا.
د‌) تنظيم عمليات الصيد البرّي في صحراء نفطة من بعض الضيوف الخليجيين الذين يزورون الجهة من حين إلى آخر بما يحافظ على الأنواع النادرة و المهدّدة بالانقراض من الحيوانات الصحراويّة كالغزال و الحبارة و غيرها ...

خاتمة :

يبدو من الضروري اليوم على كلّ أبناء نفطة أن يخرجوا عن صمتهم فيما يتصل بظروف حياتهم البيئيّة في مدينتهم و ذلك باستغلال المناخ الجديد المتّسم بحراك بيئي ملحوظ و جدّي ...إذ لا بديل عن أبناء البلد في إنجاح أيّ مشروع فقد ظلّوا منذ سنين ينتظرون التفاتة توقف تدهور المقوّمات الطبيعيّة للواحة خاصّة و ما تعانيه من مشاكل تستحقّ لوحدها تقريرا منفردا
و في انتظار الخامس من جوان القادم على الجميع أن يعمل و يساهم كل من موقعه و بحسب طاقته في إيجاد بيئة أسلم و مدينة أجمل لأبنائها قبل زائريها.


خالد العقبي
نفطة 05 جوان 2009


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق