الشيخ
سالم الضيف ، المناضل الشاعر و المربّي المصلح
خالد العقبي
الشيخ سالم الضيف نتاج طبيعي للمنظومة التعليمية التقليدية
بالجريد التونسي و التي يعتبر رسوخها و
زخمها و أصالتها عوامل متظافرة لإنتاج نخبة مثقفة و فاعلة و نشيطة في محيطها الاجتماعي
حيث انخرط الشيخ سالم كغيره من أبناء جيله في النشاط الوطني و الإصلاحي و التربوي بكثير من الصدق و الإيمان
و الوطنية و الالتزام ديدنهم النهوض بمجتمعهم المحلي و مصارعة عوامل التخلف التي غذّاها الجمود المتوارث عن مؤسسة التقليد
الديني المحافظ من جهة و السياسات الاستعمارية المهيمنة و المعيقة لبلوغ المجتمعات
المستعمرة درجات من التحصيل العلمي و المعرفي ما يجعل منها قوى مناهضة لنزعته الاستبدادية و الاستغلاليّة و يقطع الطريق أمام كل محاولات المقاومة
الواعية لمشروعه الاستيطاني و التغريبي .
و كانت أسلحة هذه النخبة في هذه المعارك
المصيرية أقلامهم المجردة لفعلهم الإصلاحي
عبر منابر المساجد وحلقات الدرس و منتديات الشعب الحزبية و المنتديات الأدبية و النقابات العمالية، موظفين القيم الدينية
السمحة و مكارم الأخلاق المتوارثة و ضرورات الانعتاق الوطني المبثوثة في خطب
الزعماء و القادة ليشكلوا مناخا ثقافيا
صلبا يواجه الاستعمار و يقارعه...و قد عرفت مدينة
نفطة بحكم مركزيتها في منظومة التعليم التقليدي بالجريد أعلاما أفذاذا في الجمع بين المعرفة و
النضال الوطني مثل الزعيم الشافعي الشريف و العلاّمة محمد الخضر حسين و الشيخ
المكي بن عزوز و غيرهم كثير ممن ألهموا
الأجيال بفكرة التلازم بين التحصيل العلمي و المعرفي و النضال الوطني من أجل الحرية و الانعتاق...و تركوا في هذا الشأن مصنفات أصبحت
جزء من أدبيات الحركة الإصلاحية و
الوطنية التونسية.
و في هذا المناخ كتب الشيخ سالم الضيف
المربي و المناضل و المصلح كتابه "
باقة من البيانات في أضرار الخمر و المخدّرات و تحريمها في الإسلام" و هو
كتاب بسيط في محتواه يغلب عليه الطابع الوعظي و لكنه غني بدلالاته السياسية و الاجتماعية
و الإصلاحية و تأتي أهميّته من عدّة جوانب
أبرزها:
-
الجانب الوطني: حيث ربط
الشيخ تفشي ظاهرة المسكرات و المخدرات بأساليب الحرب الاستعمارية على إرادة الشعب و
قواه الحيّة و هو أشبه ما يكون بحرب
الأفيون التي خاضتها بريطانيا ضدّ
الصين في أربعينيات القرن الماضي و ما
تصدير الكتاب بنص تنويهي حول التفاعل الإيجابي للزعيم الحبيب بورقيبة مع جهود
الجمعية الإسلامية لمقاومة الخمر و المخدرات
إلا دليل على الوعي السياسي بأهمية مقاومة الظواهر المدمّرة للمجتمع و خاصة
قواه الشابّة.
-
الجانب التنظيمي
المدني: حيث يعتبر بعث جمعية أهليّة تعنى بالتصدي لظواهر الانحراف و الإدمان ، درجة متقدّمة لوعي النخبة في ذلك
الوقت بحدود مهامها و أدوارها النضاليّة و اهتدائها لأدوات
عملها المدني و السلمي المنظم.
-
الجانب الاجتماعي و
الأخلاقي : حيث بيّن الشيخ سالم الضيف ارتباط الإدمان بالتفكك الاجتماعي و
الانهيار الأخلاقي للمجتمعات و سهولة
اختراقها و المسّ من سيادتها الوطنية.
-
الجانب الاستشرافي :
حيث استبق الشيخ سالم الضيف ما هو حاصل اليوم من انتشار للمخدّرات و رواجها بين
الشباب ليبيّن آثار ذلك على مناعة الأوطان
فتصبح قضيّة الإدمان على المخدّرات قضيّة
متجدّدة عبر الزمن و تستدعي راهنيتها معرفة رؤية الأجيال السابقة لأساليب مقاومتها
و التوعية ضد مخاطرها.
-
الجانب المقارن: حيث
استحضر الشيخ سالم تجارب مقاومة المسكرات و المخدّرات في القطر المصري من باب وحدة مصير الشعوب المستهدفة بهذه
الآفات و استعراض أساليب المكافحة التي
أبدعتها تلك الشعوب عبر علمائها و مثقفيها .
يعتبر كتاب
الشيخ سالم الضيف "باقة من البيانات
في أضرار الخمر و المخدرات و تحريمها في الإسلام" من الكتب
الرائدة في الإصلاح الاجتماعي و مقاومة الانحرافات التي يعتبر الإدمان على
المسكرات و المخدّرات أبرزها و
هو كتاب متوسّط الحجم و على المرجح أنه صدر
سنة 1955 أو 1956 عن مطبعة التليلي بتونس
العاصمة في 188 صفحة مبوّبة ضمن فهرس احتوى :
-
الإهداء
-
كلمة المجاهد الأكبر
-
مقدمات و بيانات
-
تحريم الخمر في القرآن
و بيانات
-
السنة النبوية و موقفها
من الخمور
-
تعاليق و مقالات عن
أضرار الخمور لجماعة من العلماء
-
كم من رجال في الجاهلية
حرموا الخمر
-
من أقوال السلف في
الخمر
-
من أقوال الحكماء في ذم
الخمر
-
لويعلم شارب الخمر
-
الشعراء في ميدان
التحذير من الخمر
-
بيانات عن الخمر من
الوجهة الطبية
-
مقاومة الخمر في كثير
من دول العالم
-
قرار المؤتمر الطبي
العالمي في تحريم الخمور
-
مضار الخمور
-
مجموعة من المقالات في
أضرار الخمر لصاحب الباقة
-
جمعية منع المسكرات و
بيانات
-
خطبتان منبريتان في ذم
الخمر
-
باب المخدرات و
المغيبات
-
خطبتان منبريتان في ذم
المخدرات
-
الجمعية الاسلامية
لمقاومة الخمر و المخدرات و بيانات.
و أتبع ذلك
بجرد لمراجع كتابه
و يكشف
حماس الشيخ سالم الضيف لتأليف هذا الكتاب حول ظاهرة سلبية و مدمّرة يعاني منها
مجتمعه المحلي و الوطني درجة ارتباط رجال التربية و التعليم عموما بمسائل الإصلاح
الاجتماعي و تدخلهم الرمزي في الحث على الانضباط السلوكي و الأخلاقي في أوساط فئات
شعبهم لتحقيق الرقي و الخروج من دوائر التخلف
و الانحطاط لذلك نلاحظ أن انخراط
رجال التربية كان قويا في العمل الحزبي الوطني و في المقاومة الثقافية للاستعمار بما أوتوا من المعارف المتاحة في عصرهم و بما
وقر في ضمائرهم من قيم دينية و أخلاقية .
و كان
الأدب و فن الشعر تحديدا وسيلة من وسائل الشيخ سالم الضيف الذي كان يقرض شعرا
جيّدا في أغراض متنوّعة غلبت عليها أغراض الوطنية و الوعظ الديني و الأخلاقي و
الاجتماعي قد نظم في هذا الغرض قصيدة
عنوانها : من وحي تحريم الخمر في الإسلام جاءت في 27 بيتا و
طالعها:
أيّها المسلم حاذر و ابتعد
عن تعاطي الخمر و اصلح و اجتهد
سالم الضيف
سيرة مختصرة
كانت ولادة الشيخ سالم بن عمر بالحاج عثمان
الضيف في 11 ماي 1911 بمدينة نفطة و قد
مات والده و عمره سنتان و نصف و في سن مبكرة حفظ القرآن الكريم في كتاب حيّه ثم انتقل سنة 1927 للدراسة بالفرع الزيتوني بنفطة و انتقل بعدها إلى جامع الزيتونة المعمور لينال
منه شهادة التطويع و هناك شارك في التحركات المطالبة بإصلاح التعليم الزيتوني .
و في مسقط رأسه بمدينة نفطة كانت له
أنشطة متنوّعة فأسس سنة 1947 فرعا للجنة العربية العليا
لنصرة فلسطين و ساهم في تأسيس مدرسة السني
القرآنية سنة 1948 و تولى إدارتها و التدريس بها
إلى حدود سنة 1957 حيث انتقل
للإقامة و العمل بالعاصمة ( جهة
باردو) و أحيل على شرف المهنة سنة 1971 .
ناضل الشيخ سالم الضيف في صفوف الحزب الحر الدستوري التونسي و
تولى فيه مسؤولية الكتابة العامة لشعبة نفطة الدستورية و مثل مدينته في مؤتمر الحزب بنهج التريبونال بالعاصمة ثم تولى رئاسة شعبة نفطة الدستورية سنة
1937 و شارك في أغلب
التحركات المناهضة للسلطات الاستعمارية
و منها المظاهرات الرافضة للمؤتمر الأفخرستي و الحركة المضادة للتجنيس.
توفي المرحوم سالم الضيف بالعاصمة في جوان
من سنة 1990.