إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 27 يناير 2011

للتاريخ و الثورة

نفطة...فاتحة الجرأة

الثورة ليست حدثا فجائيا إطلاقا بل هي نتيجة حتميّة لمسار كامل من التراكمات و التناقضات المتفاعلة في واقع المجتمعات بصورة ظاهرة أو خفيّة ثمّ تتفجّر في لحظة تاريخية محدّدة هي اللحظة التي تصل فيها شروط الثورة إلى نضجها و اكتمالها و يكون مفجّرها حدث قادح لا يتوفر بالضرورة على أيّة مواصفات خاصّة. و في الحالة التونسية عاشت البلاد منذ استيلاء بن علي على السلطة سنة 1987 عدّة محطّات احتجاجيّة شكّلت تحديا للنظام الذي كان من البداية نظاما أمنيا بوليسيا مهووسا بالانضباط و عدم الخروج عن النصّ فهل يعلم الرأي العام الوطني أنّ أوّل انتفاضة احتجاجيّة ذات طابع جماهيري واجهها نظام بن علي هي تلك التي حصلت بمدينة نفطة في جانفي 1990 عقب الفيضانات التي اجتاحت مناطق من الوسط و الجنوب و خلفت دمارا كبيرا في المباني السكنية و عاش على إثرها أهالي نفطة حالة من اللّجوء في المدارس و المساجد و المستودعات و علّق التعليم لمدّة نصف شهر تقريبا وسط إهمال و تجاهل من الحكومة كرّسته تصريحات الوزيرمنصر الرويسي الذي أرسله بن علي إلى جهة الجريد عندما ذكر أنّ الأضرار بنفطة بسيطة و الأمور على ما يرام مما أثار غضب المواطنين فخرجوا في مسيرة شعبية توجّهوا فيها إلى مقرّ المعتمديّة و سرعان ما صبّ ذلك الغضب على محتوياتها و أحرقت سيّارتها و عنف المعتمد نفسه و في المساء تفجّرت مصادمات بين المتظاهرين و قوات البوليس الذين أطلقوا القنابل المسيلة للدموع لتفريق الناس و السيطرة على الوضع و لم يتسنّ لهم ذلك إلاّ بعد أربعة أيام حيث وقعت اعتقالات واسعة شملت 45 شخصا و كنت شخصيا واحدا منهم حيث أحلنا على المحكمة العسكريّة بصفاقس ووجّهت لنا عديد التهم كان نصيبي منها : المشاركة في مظاهرة غير معلنة و التحريض الإيجابي على التجمهر و صدرت في حقّنا أحكام قضائية امتدت من عدم سماع الدعوى إلى 6 سنوات سجنا نلت منها سنة سجنا و 60 دينارا خطيّة و عزلت من الوظيفة مع عدد من الموظفين .
و من الملفت أنّ نفس تلك الأحداث عاشتها مدينة سيدي بوزيد أيضا حيث اندلعت مظاهرات حاصرت مقرّ الولاية احتجاجا على الإهمال الذي لقيه المواطنون في محنة الفيضانات ووقعت اعتقالات على إثر الأحداث كما هو الشأن في نفطة و أذكر أن الشاعر الكبير الصغيّرأولاد أحمد كتب مقالا مؤثرا حول هذه الأحداث في مجلة المغرب العربي.
و لعلّ من آثار انتفاضة الفيضانات في نفطة و سيدي بوزيد سنة 1990 ما يلي:
1) بداية تشكل مجتمع مدني متضامن يتبنى المطالب المشروعة التي تثيرها الاحتجاجات الاجتماعية فقد انحرطت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان في تبني مطالب المحتجين و تطوع عن طريقها عدد من المحامين للدفاع عن السجناء كما تبنى الاتحاد العام التونسي للشغل موقفا مساندا للاحتجاجات و كذلك فعلت بعض الأحزاب السياسية .
2) تفكير النظام بجدية في سبل احتواء المطالب الاجتماعية بتحريك آلته الإعلامية حيث يذكر من عاشوا تلك الأحداث "التيليطون" الذي نشطه المرحوم نجيب الخطاب في التلفزة على امتداد يوم كامل من أجل جمع التبرعات للمتضررين من الفيضانات و استعملت لأوّل مرّة عبارة " المدّ التضامني" التي طوّرها النظام في شكل صندوق التضامن الوطني 26/26 الذي كان في حقيقته جهازا وقائيا من التحركات الاحتجاجية في المناطق المحرومة و ليس إبداعا من عبقرية بن علي كما روّج له.
3)غضب النظام و بن علي بصفة شخصيّة على مدينة نفطة و خاصّة بعد مقاطعة الأهالي لزيارته للمدينة في نفس السنة (1990) احتجاجا على استمرار اعتقال السجناء من أبنائهم و منذ لك الحين و نفطة تعيش التهميش و الإقصاء بل ودمّرت فيها السياحة و الفلاحة و حرمت من المساعدات و الاستثمارات المشغلة و اختير لها أسوأ المسؤولين الحزبيين و الإداريين .

خالد العقبي
ناشط نقابي و حقوقي من نفطة